منتديات أعز الناس

منتديات أعز الناس (https://www.a3zz.net/index.php)
-   نفحات إسلامية (https://www.a3zz.net/forumdisplay.php?f=147)
-   -   هذا هو القرآن ... يتبع . (https://www.a3zz.net/showthread.php?t=15286)

ناصح أمين 03-22-2020 09:41 AM



======== 74 ========

و إنه لحق اليقين .. مع تكذيب المكذبين .

حق اليقين . فليس مجرد اليقين ، و لكنه الحق في هذا اليقين .

و هو تعبير خاص يضاعف المعنى و يضاعف التوكيد .

و إن هذا القرآن لعميق في الحق ، عميق في اليقين .

و إنه ليكشف عن الحق الخالص في كل آية ما يشي بأن مصدره هو الحق الأول الأصيل .

لا هو قول شاعر .. و لا هو قول كاهن .. و لا هو تقول على الله إنما هو التنزيل من رب العالمين .

و هو التذكرة للمتقين . و هو حق اليقين .

======== 75 ========

القرآن المكي يعالج – في الغالب – إنشاء العقيدة . في الله و في الوحي ، و في اليوم الآخر .

و إنشاء التصور المنيثق من هذه العقيدة لهذا الوجود و علاقته بخالقه .

و التعريف بالخالق تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب ، مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب ، و بالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب ، و بالقيم و الموازين التي يزن بها المسلم الأشياء و الأحداث و الأشخاص .

و القرآن المدني يعالج – في الغالب – تطبيق تلك العقيدة و ذاك التصور و هذه الموازين في الحياة الواقعية ..

و حمل النفوس على الاضطلاع بأمانة العقيدة و الشريعة في معترك الحياة ، والنهوض بتكاليفها في عالم الضمير و عالم الظاهر سواء .

ناصح أمين 03-28-2020 09:36 AM

======== 76 ========

يكل القرآن الناس إلى النظر في هذا الكون ، و إلى تملي مشاهده و عجائبه .

ذلك أن القرآن يخاطب الناس جميعا ، و في كل عصر .

يخاطب ساكن الغابة و ساكن الصحراء ، كما يخاطب ساكن المدينة و رائد البحار .

و هو يخاطب الأمي الذي لم يقرأ و لم يخط حرفا ، كما يخاطب العالم الفلكي و العالم الطبيعي و العالم النظري سواء .

و كل واحد ن هؤلاء يجد في القرآن ما يصله بهذا الكون ، و ما يثير في قلبه التأمل و الاستجابة و المتاع .

======== 77 ========

القرآن يوجه النفس إلى جمال السماء ، و إلى جمال الكون كله لأن إدراك جمال الوجود هو أقرب و أصدق وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود .

و هذا الإدراك هو الذي يرفع الإنسان إلى أعلى أفق يمكن أن يبلغه ، لأنه حينئذ يصل إلى النقطة التي يتهيأ فيها للحياة الخالدة في عالم طليق جميل ، بريء من شوائب العالم الأرضي و الحياة الأرضية .

و إن أسعد لحظات القلب البشري لهي اللحظات التي يتقبل فيها جمال الإبداع الإلهي في الكون .

ذلك أنها هي اللحظات التي تهيئه و تمهد له ليتصل بالجمال الإلهي ذاته و يتملاه .

ناصح أمين 04-05-2020 08:40 AM

<======== 78 ========

و وصف القرآن بأنه بصائر للناس يعمق معنى الهداية فيه و الإنارة .

فهو بذاته بصائر كاشفة كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن الأمور .

و هو بذاته هدى .

و هو بذاته رحمة . .

و لكن هذا كله يتوقف على اليقين .

يتوقف على الثقة التي لا يخامرها شك ، و لا يخالطها قلق ، ولا تتسرب إليها ريبة .

و حين يستيقن القلب و يستوثق يعرف طريقه ، فلا يتلجلج و لا يتلعثم و لا يحيد .

و عندئذ يبدو له الطريق واضحا ، و الأفق منيرا ، و الغاية محددة ، و النهج مستقيما .

و عندئذ يصبح هذا القرآن له نورا و هدى و رحمة بهذا اليقين .

======== 79 ========

الأسس التي جاء بها القرآن لكي ينشئ الجماعة المسلمة الأولى ، هي هي ما تزال التوجيهات و الأسس الضرورية لقيام الجماعة المسلمة في كل زمان و في كل مكان ..

و أن المعركة التي خاضها القرآن ضد أعدائها هي ذاتها المعركة التي يمكن أن يخوضها في كل زمان و مكان

و تحتاج الأمة المسلمة في كفاحها و توقيها إلى توجيهات هذا القرآن حاجة الجماعة المسلمة الأولى

كما تحتاج في بناء تصورها الصحيح و إدراك موقفها و من الكون و الناس إلى ذات النصوص و ذات التوجيهات ، و تجد فيها معالم طريقها واضحة

و يظل القرآن كتاب هذه الأمة العامل في حياتها ، و قائدها الحقيقي في طريقها الواقعي ، و دستورها الشامل الكامل ، الذي تستمد منه منهج الحياة ، و نظام المجتمع ، و قواعد التعامل الدولي و السلوك الأخلاقي و العملي


</h2>

ناصح أمين 04-11-2020 08:47 AM

======== 80 ========

لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق ، و كثر فيه النزاع ، و طمت فيه الفتن ، و تماوجت فيه الأحداث .

و راحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن و في حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و دخل في هذه الفتن و ساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود – خاصة – ثم من " القوميين " دعاة القومية الذين تسموا بالشعوبيين .

كما استطعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية ، و أن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام و الاتجاهات .

و لكنها عجزت جميعا – و في أشد أوقات الفتن حلوكة و اضطربا – أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ ، و بقيت نصوصه كما أنزلها الله ، حجة باقية على كل محرف و كل مؤول ، و حجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .

======== 81 ========

لقد جاء القرآن الكريم يهدد المشركين المكذبين و يتوعدهم ، و يعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين و مصائرهم ..

و يكشف للرسول – صلى الله عليه و سلم – عن علة تكذيبهم و عنادهم ، و هي لا تتعلق به و لا بالحق الذي معه ، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات .

و من ثم يسلي الرسول – صلى الله عليه و سلم – و يواسيه ، و يوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه ، و الصدع به بقوة في مواجهة الشرك و أهله ..

و الصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة و وحشة العزلة ، و طول الطريق .

ناصح أمين 04-19-2020 09:03 AM

======== 82 ========

إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر و حوادثهم المكرورة ، قضايا كونية كبرى يكشف فيها عن النواميس الإلهية في الوجود و ينشئ بها عقيدة ضخمة شاملة و تصورا كاملا لهذا الوجود ..

كما يجعل منها منهجا للنظر و التفكير ، و حياة للأرواح و القلوب ، و يقظة في المشاعر و الحواس .

يقظة لظواهر هذا الوجود التي تطالع الناس صباح مساء و هم غافلون عنها ..

و يقظة لأنفسهم و ما يجري من العجائب و الخوارق فيها .

إن أنفسهم من صنع الله ، وظواهر الكون حولهم من إبداع قدرته

و المعجزة كامنة في كل ما تبدعه يده .

و هذا القرآن قرآنه .

و من ثم يأخذهم إلى هذه المعجزات الكامنة فيهم ، و المبثوثة في الكون حولهم ..

فهم يرونها و لا يحسون حقيقة الإعجاز فيها و هذا لطول ألفتهم بها

و على هذا المنهج يسير ، و هو يعرض عليهم آيات القدرة المبدعة في خلقهم هم أنفسهم .

======== 83 ========

إن هذا القرآن شفاء لما في الصدور بكل معنى من معاني الشفاء

إنه يدب في القلوب فعلا دبيب الشفاء في الجسم المعلول ..

يدب فيها بإيقاعه ذي السلطان الخفي العجيب ..

و يدب فيها بتوجيهاته التي توقظ أجهزة التلقي الفطرية ، فتهتز و تتفتح و تتلقى و تستجيب ..

و يدب فيها بتنظيماته و تشريعاته التي تضمن أقل احتكاك ممكن بين المجموعات البشرية في الحياة اليومية ..

و يدب فيها بإيحاءاته المطمئنة التي تسكب الطمأنينة في القلوب إلى الله ، و إلى العدل في الجزاء ، و إلى غلبة الخير ، و إلى حسن المصير .

ناصح أمين 04-22-2020 07:40 AM

======== 84 ========

و القرآن يوجه القلوب و الأنظار توجيها مكررا مؤكدا إلى هذا الكتاب المفتوح ، الذي لا تفتأ صفحاته تقلب ، فتتبدى في كل صفحة آية موحية ..

تستجيش في الفطرة السليمة إحساسا بالحق المستقر في صفحات هذا الكتاب ، و في تصميم هذا البناء ، و رغبة في الاستجابة لخالق هذا الخلق ، و مودعه هذا الحق ، مع الحب له و الخشية منه في ذات الأوان .

و أولوا الألباب .. أولو الإدراك الصحيح .. يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية ، و لا يقيمون الحواجز ، و لا يغلقون المنافذ بينهم و بين هذه الآيات ..

و يتوجهون إلى الله بقلوبهم قياما و قعودا و على جنوبهم .

======== 85 ========

النصوص القرآنية جاءت لتعمل في كل جيل و في كل بيئة .

و في هذا تكمن المعجزة .

فهذه النصوص التي جاءت لتواجه أحوالا بعينها هي ذاتها التي تواجه الجماعة الإنسانية ، في أي طور من أطوارها .

و المنهج الذي التقط المجموعة المسلمة من سفح الجاهلية هو ذاته الذي يلتقط أية مجموعة – أيا كان موقفها على الدرج الصاعد – ثم يبلغ بها إلى القمة السامقة ، التي بلغ إليها بالمجموعة الأولى يوم التقطها من ذلك السفح السحيق .

و من ثم فنحن حين نقرأ القرآن نستطيع أن نتبين منه ملامح المجتمع الجاهلي من خلال أوامره و نواهيه و توجيهاته ..

كما نستطيع أن نتبين الملامح الجديدة التي يريد أن ينشئها ، و أن يثبتها في المجتمع الجديد .




عمر آلعمر 04-22-2020 12:06 PM





بارك الله فيك أخي ناصح أمين ..
ونسأل الله أن يجعل كل ما تقدمه من مجهود نافع ومواضيع
قيمة تنفع الناس وتغذي فكرهم وقلوبهم
في ميزان حسناتك ..


ناصح أمين 04-27-2020 10:08 AM

======== 86 ========

لقد كان القرآن يخوض المعركة بالجماعة المسلمة في ميادين كثيرة .

و كان أولها ميدان النفس ضد الهواجس و الوساوس و سوء التصور و رواسب الجاهلية ، و الضعف البشري – حتى و لو لم يكن صادرا عن نفاق أو انحراف – و كان يسوسها بمنهجه الرباني لتصل إلى مرتبة القوة ، ثم إلى مرتبة التناسق في الصف المسلم .

فكان يرسم للمسلمين – بصفة عامة – الخطة العامة للمعركة و هي ما يعرف باسم " إستراتيجية المعركة " ، و أيضا الخطة التنفيذية أو ما يسمى " التاكتيك " .

و هكذا نجد القرآن لا يعلم المسلمين العبادات و الشعائر فحسب و لا يعلمهم الآداب و الأخلاق فحسب – كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين – إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة ..

و يعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية .

و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا القرآن و تحت تصرفه و توجيهه .

لا يقبل منهم مناهج متعددة المصادر .

و إلا فلا إيمان أصلا و لا إسلام .

لأن الذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد في الإيمان ، و لم يعترفوا بعد بأركان الإسلام و في أولها " شهادة أن لا إله إلا الله " التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله ، و أن لا مشرع إلا الله .

======== 87 ========

القرآن – كتاب الدعوة و دستور هذه الأمة – ينهض بكل الأمور المتعلقة بهذا الدين في صورة شاملة كاملة متوازنة دقيقة .

صورة تجعل من الحتم على كل من يريد إعادة بناء هذه الأمة وإحياءها و بعثها ، لتنهض من جديد بتبعاتها و دورها ، أن يتخذ من هذا القرآن منهجا لدعوته ، و منهجا لحركاته ..

و منهجا لكل خطوة في طريق الإحياء و البعث و إعادة البناء .

و القرآن حاضر لأداء دوره الذي أداه أول مرة .

و هو خطاب الله الباقي للنفس البشرية في كل أطوارها .

لا تنقضي عجائبه و لا يخلق على كثرة الرد .. كما يقول عنه أعرف الناس به – صلى الله عليه و سلم – الذي جاهد به الكفار و المنافقين و أهل الكتاب المنحرفين ..

و أقام به هذه الأمة المتفردة في تاريخ الناس أجمعين .

ناصح أمين 05-02-2020 10:34 AM

======== 88 ========

إن القرآن لم يقض ثلاثة عشر عاماً كاملة في بناء العقيدة بسبب أنه كان يتنزل للمرة الأولى .. كلا !

فلو أراد الله لأنزل هذا القرآن جملة واحدة ، ثم ترك أصحابه يدرسونه ثلاثة عشر عاماً أو أكثر أو أقل ، حتى يستوعبوا " النظرية الإسلامية ".

و لكن الله – سبحانه – كان يريد أمراً آخر .

كان يريد منهجاً معيناً متفرداً .

كان يريد بناء الجماعة و بناء الحركة و بناء العقيدة في وقت واحد .

كان يريد أن يبني الجماعة و الحركة بالعقيدة ، و أن يبني العقيدة بالجماعة و الحركة ..

كان يريد أن تكون العقيدة هي واقع الجماعة الفعلي ، و أن يكون واقع الجماعة الحركي الفعلي هو صورة العقيدة .

و كان الله - سبحانه – يعلم أن بناء النفوس و الجماعات لا يتم بين يوم و ليلة ..

فلم يكن بد أن يستغرق بناء العقيدة المدى الذي يستغرقه بناء النفوس و الجماعة حتى إذا نضج التكوين العقيدي كانت الجماعة هي المظهر الواقعي لهذا النضوج .

======== 89 ========

الحياة في جو القرآن لا تعني مدارسة القرآن ، و قراءته و الاطلاع على علومه ..

إن هذا ليس " جو القرآن " .

الحياة في جو القرآن :

هو أن يعيش الإنسان في جو ، و في ظروف ، و في حركة ، وفي معاناة ، و في صراع ، و في اهتمامات .. كالتي كان يتنزل فيها هذا القرآن ..

أن يعيش الإنسان في مواجهة هذه الجاهلية التي تعم وجه الأرض اليوم ..

و في قلبه ، و في همه ، و في حركته ، أن " ينشئ " الإسلام في نفسه و في نفوس الناس ، و في حياته و في حياة الناس ، مرة أخرى في مواجهة هذه الجاهلية .

بكل تصوراتها ، و كل اهتماماتها و كل تقاليدها ، و كل واقعها العملي ، و كل ضغطها كذلك عليه ، و حربها له ، و مناهضتها لعقيدته الربانية ، و منهجه الرباني ..

هذا هو الجو القرآني الذي يمكن أن يعيش فيه الإنسان ..

فيتذوق هذا القرآن .

فهو في مثل هذا الجو نزل ، و في مثل هذا الخضم عمل ..

و الذين لا يعيشون في مثل هذا الجو معزولون عن هذا القرآن مهما استغرقوا في مدارسته و قراءته و الاطلاع على علومه .

و على الجميع أن يحاولوا أن يعيشوا في " جو القرآن " حقاً بالعمل و الحركة .

و عندئذ فقط سيتذوقون هذا القرآن ، و يتمتعون بهذه النعمة التي ينعم الله بها على من يشاء .

مجبورة 05-04-2020 05:02 AM


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاضل الناصح الأمين
في هذا الخضم الزاخر بكلمات نافعة تحوي الكثير من عبارات تنير لنا معاني وحكم
ودروس تحتويها حروف كتاب كريم منزل
نغفل عنها او نتناساها مع إنشغالنا بهذة الحياة
هنا بموضوعك الثري عن القرآن وأسراره امتعتنا وأنرت زوايا كانت مظلمة لم تلتقطها بصيرتنا
شكراً لك مموضوع ممتع وثري ومفيد
شكراً لك وأكثر

ناصح أمين 05-06-2020 09:50 AM

======== 90 ========

لقد كان في القرآن ذاته برهان أصدق من البراهين المادية التي كانوا يطلبونها من الرسول – صلى الله عليه و سلم - .

فإن هذا القرآن شاهد بذاته ، بتعبيره ثم بمحتوى هذا التعبير ، على أنه من عند الله ..

و هم لم يكونوا يجحدون الله .. و هم – على وجه التأكيد – كانوا يحسون ذلك و يعرفونه ..

كانوا يعرفون بحسهم اللغوي الأدبي الفني مدى الطاقة البشرية و يعرفون أن هذا القرآن فوق هذا المدى .

و كل من مارس فن القول يدرك إدراكاً واضحاً أن هذا القرآن فوق ما يملك البشر أن يبلغوا .

لا ينكر هذا إلا معاند يجد الحق في نفسه ثم يخفيه .

و العرب لم يكن يخفى عليهم الشعور بهذا في قرارة نفوسهم .

و أقوالهم ذاتها و أحوالهم تقرر أنهم ما كانوا شكون في أن هذا القرآن من عند الله .

======== 91 ========

فكل من بلغه هذا القرآن من الناس ، بلغة يفهمها ، و يحصل منها محتواه ، فقد قامت عليه الحجة به ، و بلغه الإنذار ، و حق عليه العذاب إن كذب بعد البلاغ ..

فأما من يحول عدم فهمه للغة القرآن دون فهمه لفحواه ، فلا تقوم عليه الحجة به ..

و يبقى إثمه على أهل هذا الدين الذين لم يبلغوه بلغته التي يفهم بها مضمون هذه الشهادة .. هذا إذا كان مضمون القرآن لم يترجم إلى لغته .

ناصح أمين 05-09-2020 09:30 AM

======== 92 ========

القرآن ..

و الله إن لقوله لحلاوة ..

و إن أصله لعذق ..

و إن فرعه لجناة ..

و إن عليه لطلاوة ..

و إنه ليحطم ما تحته ..

و إنه ليعلو و ما يعلى .

======== 93 ========

لقد كانوا يطلبون آية خارقة كالخوارق المادية التي صاحبت الرسالات السابقة ..

و لا يقنعون بآية القرآن الباقية ، التي تخاطب الإدراك البشري الراشد ، و تعلن عهد الرشد الإنساني ..

و تحترم هذا الرشد فتخاطبه هذا الخطاب الراقي ، و التي لا تنتهي بانتهاء الجيل الذي يرى الخارقة المادية ، بل تظل باقية تواجه الإدراك البشري بإعجازها إلى يوم القيامة .

ناصح أمين 05-12-2020 09:28 AM

======== 94 ========

و ها هو ذا القرآن الكريم يكشف للناس عن السنة و يحذرهم الفتنة ..

فتنة الاختبار و الابتلاء بالضراء و السراء ..

و ينبه فيهم دواعي الحرص و اليقظة ، و اتقاء العاقبة التي لا تتخلف ، جزاء وفاقاً على اتجاههم و كسبهم .

فمن لم يتيقظ ، و من لم يتحرج ، و من لم يتق ، فهو الذي يظلم نفسه ، و يعرضها لبأس الله الذي لا يرد .

و لن تظلم نفساً شيئاً .

======== 95 ========

و القرآن الكريم لا يدع مجالاً للشك في أن الناموس الذي يحكم هذا الكون هو ناموس الوحدة ، الذي أنشأته المشيئة الواحدة للخالق الواحد سبحانه .

كما أنه لا يدع مجالاً للشك في عبودية هذا الكون لربه ، و اعترافه بوحدانيته ، و عبادته له بالكيفية التي يعلمها الله و لا نعرف عنها إلا ما يخبرنا به ، و ما نراه من آثارها في انتظامه و دأبه و اطراده .

ناصح أمين 05-14-2020 09:45 AM

======== 96 ========

كان القرآن يدعوهم إلى استخدام قلوبهم و عيونهم و آذانهم .

فلا يكونوا من ذرء جهنم و لا يكونوا من الغافلين ..

كان يدعوهم إلى التدبر في أمر رسولهم – صلى الله عليه و سلم - الذي يدعوهم إلى الحق و يهديهم به ..

و إلى النظر في ملكوت السماوات و الأرض و آيات الله المبثوثة في هذا الملكوت ..

و كان يوقظهم إلى مرور الوقت و ما يؤذن به من اقتراب الأجل المجهول ، و هم غافلون .

إن القرآن يهزهم من غفوتهم ، ويوقظهم من غفلتهم ، و يستنقذ - من تحت الركام – فطرتهم و عقولهم و مشاعرهم ..

إنه يخاطب كينونتهم البشرية كلها ، بكل ما فيها من أجهزة الاستقبال و الاستجابة ..

إنه لا يوجه إليهم جدلاً ذهنياً بارداً ، إنما هو يستنقذ كينونتهم كلها و ينفضها من أعماقها .

======== 97 ========

إن اللمسات التي تتعدد في الآية الواحدة ، لتكشف لنا عن منهج هذا القرآن في خطاب الكينونة البشرية ..

إنه لا يدع جانباً واحداً منها لا يخاطبه ، ولا يدع وتراً منها واحداً لا يوقع عليه ..

إنه لا يخاطب الذهن و لكن لا يهمله ، ففي الطريق – و هو يهز الكيان البشري كله – يلمسه و يوقظه .

إنه لا يسلك إليه طريق الجدل البارد ، و لكنه يستحييه لينظر و يتفكر و حرارة الحياة تسري فيه و تيارها الدافق ..

فالإنسان هو الإنسان لم يتبدل خلقاً آخر .

و القرآن هو القرآن كلام الله الباقي ، و خطاب الله لهذا الإنسان الذي لا يتغير .. مهما تعلم و تطور .

ناصح أمين 05-19-2020 09:59 AM

======== 98 ========

و إن هذا القرآن لا يفتح كنوزه ، و لا يكشف أسراره ، و لا يعطي ثماره ، إلا لقوم يؤمنون .

و لقد ورد عن بعض صحابة رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " كنا نؤتى الإيمان قبل أن نؤتى القرآن " ..

و هذا الإيمان هو الذي كان يجعلهم يتذوقون القرآن ذلك التذوق و يدركون معانيه و أهدافه ذلك الإدراك ، و يصنعون به تلك الخوارق التي صنعوها في أقصر وقت من الزمان .

لقد كان ذلك الجيل المتفرد يجد من حلاوة القرآن ، و من نوره ، و من فرقانه ، ما لا يجده إلا الذين يؤمنون إيمان ذلك الجيل .

و لئن كان القرآن هو الذي أخذ بأرواحهم إلى الإيمان ، لقد كان الإيمان هو الذي فتح لهم في القرآن ما لا يفتحه إلا الإيمان

لقد عاشوا بهذا القرآن ، و عاشوا له كذلك ومن ثم كانوا ذلك الجيل المتفرد الذي لم يتكرر في التاريخ كله .. اللهم إلا في صورة أفراد على مدار التاريخ يسيرون على أقدام ذلك الجيل السامق العجيب .

لقد خلصوا لهذا القرآن فترة طويلة من الزمان ، فلم تشب نبعه الرائق شائبة من قول البشر ، اللهم إلا قول رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و هديه .. و قد كان من نبع القرآن ذاته كذلك

و ما أجدر الذين يحاولون أداء ما أداه ذلك الجيل أن ينهجوا نهجه ، فيعيشوا بهذا القرآن و لهذا القرآن فترة طويلة من الزمان ، لا يخالط عقولهم و قلوبهم غيره من كلام البشر ليكونوا كما كان .

======== 99 ========

إن هذه البشرية لفي حاجة اليوم – كما كانت في حاجة بالأمس – إلى أن تخاطب بهذا القرآن مرة أخرى .

في حاجة إلى من يقودها من الجاهلية إلى الإسلام ، و من يخرجها من الظلمات إلى النور ، و من ينقذ عقولها و قلوبها من هذه الوثنية الجديدة ، بل من هذا السخف الجديد الذي تلج فيه .

إن هذا القرآن يعطيك بمقدار ما تعطيه ، و يتفتح عليك في كل مرة بإشعاعات و إشراقات وإيحاءات و إيقاعات بقدر ما تفتح له نفسك ، و يبدو لك في كل مرة جديداً كأنك تتلقاه اللحظة .

ناصح أمين 05-21-2020 11:44 AM

======== 100 ========

فهذا القرآن هو من عناصر الحق .. الحق الأصيل .

و هو يكشف سنن الخالق و يوجه القلوب إليها ، و يكشف آياته في الأنفس و الآفاق و يستجيش القلوب لإدراكها ، و يكشف أسباب الهدى و الضلال ، و مصير الحق و الباطل ، و الخير و الشر و الصلاح و الطلاح .

فهو من مادة ذلك الحق و من وسائل كشفه و تبيانه .

و هو أصيل أصالة ذلك الحق الذي خلقت به السماوات و الأرض

ثابت ثبوت نواميس الوجود ، مرتبط بتلك النواميس .

و ليس أمراً عارضاً و لا ذاهباً .

إنما يبقى مؤثراً في توجيه الحياة و تصريفها و تحويلها ، مهما يكذب المكذبون ، و يستهزئ المستهزئون ، و يحاول المبطلون الذين يعتمدون على الباطل ، و هو عنصر طارئ زائل في هذا الوجود .

و من ثم فإن من أوتي هذه المثاني و هذا القرآن العظيم ، المستمد من الحق الأكبر ، المتصل بالحق الأكبر ، لا يمتد بصره و لا تتحرك نفسه لشيء زائل في هذه الأرض من أعراضها الزوائل .

و لا يحفل مصير أهل الضلال ، و لا يهمه شأنهم في كثير و لا قليل .

إنما يمضي في طريقه مع الحق الأصيل .

======== 101 ========

إن من معجزات هذا القرآن إنه يربط كل مشاهد الكون و كل خلجات النفس إلى عقيدة التوحيد .

و يحول كل ومضة في صفحة الكون أو في ضمير الإنسان إلى دليل أو إيحاء ..

و هكذا يستحيل الكون بكل ما فيه وبكل من فيه معرضاً لآيات الله تبدع فيه يد القدرة ، و تتجلى آثارها في كل مشهد فيه و منظر ، و في كل صورة فيه و ظل ..

إنه لا يعرض قضية الألوهية و العبودية في جدل ذهني و لا في لاهوت تجريدي و لا في فلسفة " ميتافيزيقية " ذلك العرض الميت الجاف الذي لا يمس القلب البشري ولا يؤثر فيه و لا يوحي إليه ..

إنما هو يعرض هذه القضية في مجال المؤثرات و الموحيات و الواقعية من مشاهد الكون ، و مجالي الخلق ، و لمسات الفطرة و بديهيات الإدراك .

في جمال و روعة و تناسق .

ناصح أمين 05-26-2020 10:21 AM

======== 102 ========

إن هذا القرآن .. بصائر تهدي ، و رحمة تفيض .. لمن يؤمن به و يغتنم هذا الخير العميم .

إنه هذا القرآن الذي لا تبلغ خارقة مادية من الإعجاز ما يبلغه .. من أي جانب من الجوانب شاء الناس المعجزة في أي زمان و في أي مكان ..

لا يستثني من ذلك من كان من الناس و من يكون إلى آخر الزمان ..

ها هو ذا كان و ما يزال إلى اليوم معجزاً لا يتطاول إليه أحد من البشر .

تحداهم الله به و ما يزال هذا التحدي قائماً .

و الذين يزاولون فن التعبير من البشر ، ويدركون مدى الطاقة البشرية فيه ، هم أعرف الناس بأن هذا الأداء القرآني معجز معجز .

و يبقى وراء ذلك السر المعجز في هذا الكتاب الفريد .. يبقى ذلك السلطان الذي له على الفطرة – متى خلي بينها و بينه لحظة – و حتى الذين رانت على قلوبهم الحجب ، و ثقل فوقها الركام ، تنتفض قلوبهم أحياناً ، و تتململ قلوبهم أحياناً تحت وطأة هذا السلطان ، و هم يستمعون إلى هذا القرآن .

======== 103 ========

لقد كان هذا القرآن هو مصدر المعرفة و التربية و التوجيه و التكوين الوحيد لجيل من البشر فريد ..

جيل لم يتكرر بعد في تاريخ البشرية – لا من قبل و لا من بعد – جيل الصحابة الكرام الذين أحدثوا في تاريخ البشرية ذلك الحدث الهائل العميق الممتد ، الذي لم يدرس حق دراسته إلى الآن .

لقد كان هذا المصدر هو الذي أنشأ – بمشيئة الله وقدره – هذه المعجزة المجسمة في عالم البشر .

و هي المعجزة التي لا تطاولها جميع المعجزات و الخوارق التي صحبت الرسالات جميعاً ..

و هي معجزة واقعة مشهودة ..

أن كان ذلك الجيل الفريد ظاهرة تاريخية فريدة .

إن الناس اليوم – في الجاهلية الحديثة – يطلبون حاجات نفوسهم و مجتمعاتهم و حياتهم خارج هذا القرآن ..

لأنه يحول بينهم و بين هذا القرآن غرور " العلم " البشري الذي فتحه الله عليهم في عالم المادة ..

كما يحول بينهم و بين هذا القرآن كيد أربعة عشر قرناً من الحقد اليهودي و الصليبي .

هو كيد مطرد مصرّ لئيم خبيث .

أن لا طاقة لهم بأهل هذا القرآن ما ضلوا عاكفين على هذا الكتاب ، عكوف الجيل الأول ، لا عكوف التغني بآياته و حياتهم كلها بعيدة عن توجيهاته .

سارة أحمد 05-31-2020 06:18 AM

جزاك الله خيراً

ناصح أمين 05-31-2020 08:53 AM

======== 104 ========

و إن العكوف على هذا القرآن – في وعي و تدبر لا مجرد التلاوة و الترنم – لينشئ في القلب و العقل من الرؤية الواضحة البعيدة المدى ..

و من المعرفة المطمئنة المستيقنة ..

و من الحرارة و الحيوية و الانطلاق ..

و من الإيجابية و العزم و التصميم ، ما لا تدانيه رياضة أخرى أو معرفة أو تجريب .

و إن رؤية حقائق الوجود – من خلال التصوير القرآني – و حقائق الحياة ، ورؤية الحياة البشرية و طبيعتها و حاجاتها من خلال التقريرات القرآنية ، لهي رؤية باهرة واضحة دقيقة عميقة .

======== 105 ========

و القلب المؤمن يجد في آيات القرآن ما يزيده إيماناً ، و ما ينتهي به إلى الاطمئنان .

إن هذا القرآن يتعامل مع القلب البشري بلا وساطة ، و لا يحول بينه و بينه شيء إلا الكفر الذي يحجبه عن القلب و يحجب القلب عنه ..

فإذا رفع هذا الحجاب بالإيمان وجد القلب حلاوة هذا القرآن ..

و وجد في إيقاعاته المتكررة زيادة في الإيمان تبلغ إلى الاطمئنان .

و بهذا الإيمان كانوا يجدون في القرآن ذلك المذاق الخاص ، يساعدهم عليه ذلك الجو الذي كانوا يتنسمونه ، و هم يعيشون القرآن فعلاً و واقعاً ..

و لا يزاولونه مجرد تذوق و إدراك .

ناصح أمين 06-04-2020 09:19 AM



======== 106 ======

قرآن أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير .

أحكمت آياته ، فجاءت قوية البناء ، دقيقة الدلالة ، كل كلمة فيها و كل عبارة مقصودة ..

و كل معنى فيها و كل توجيه مطلوب ..

و كل إيماءة و كل إشارة ذات هدف معلوم .

متناسقة لا اختلاف بينها و لا تضارب ، و منسقة ذات نظام واحد

ثم فصلت .

فهي مقسمة وفق أغراضها ، مبوبة وفق موضوعاتها ، و كل منها له حيز بمقدار ما يقتضيه .

======== 107 ========

إن القلة المؤمنة كانت تواجه فترة حرجة من تاريخ الدعوة .

و هذا يصور لنا حاجة الموقف إلى هذه المعركة التقريرية الإيحائية ، كما يصور طبيعة هذا القرآن الحركية ، وهو يواجه ذلك الواقع و يجاهده جهاداً كبيراً .

إن هذا القرآن لا يتذوقه إلا من يخوض مثل هذه المعركة ..

و يواجه مثل تلك المواقف التي تنزل فيها القرآن ليواجهها و يوجهها .

و الذين يتلمسون معاني القرآن و دلالاته وهم قاعدون .

يدرسونه دراسة بيانية أو فنية لا يملكون أن يجدوا من حقيقته شيئاً في هذه القعدة الباردة الساكنة ، بعيداً عن المعركة و بعيداً عن الحركة ..

إن حقيقة هذا القرآن لا تتكشف للقاعدين أبداً ..

و إن سره لا يتجلى لمن يؤثرون السلامة و الراحة مع العبودية لغير الله ، و الدينونة للطاغوت من دون الله .

ناصح أمين 06-09-2020 09:44 AM



======== 108 ========

جاء هذا القرآن الكريم ليخاطب الفطرة البشرية بمنطقها .

نزله الذي خلق هذه الفطرة ، و الذي يعلم ما يصلح لها و ما يصلحها ، و يعلم كيف يخاطبها ، و يعرف مداخلها و مساربها

جاء يعرض على هذه الفطرة الحقيقة المكنونة فيها من قبل ، و التي تعرفها قبل أن تخاطب بهذا القرآن ، لأنها قائمة عليها أصلاً في تكوينها الأول ..

تلك هي حقيقة الاعتراف بوجود الخالق و توحيده ، و التوجه إليه وحده بالإنابة و العبادة مع موكب الوجود كله المتجه إلى خالقه بالحمد و التسبيح ..

إنما تغشى على الفطرة غواش من دخان هذه الأرض ، و تغمرها غمرات من فورة اللحم و الدم .

هنا يجيء هذا القرآن ليخاطب الفطرة بمنطقها التي تعرفه ، و يعرض عليها الحقيقة التي غفلت عنها بالأسلوب الذي تألفه ، و يقيم على أساس هذه الحقيقة منهاج الحياة كله ، مستقيماً مع العقيدة ، مستقيماً مع الفطرة ، مستقيماً على الطريق إلى الخالق الواحد المدبر الخبير .

======== 109 ========

هذا القرآن الحكيم . أو آياته ، هدى و رحمة للمحسنين .

فهذه حاله الأصيلة الدائمة ..

أن يكون هدى و رحمة للمحسنين .

هدى يهديهم إلى الطريق الواصل الذي لا يضل سالكوه .

و رحمة بما يسكبه الهدى في القلب من راحة و طمأنينة و قرار و ما يقود إليه من كسب و خير و فلاح ، و ما يعقده من الصلات والروابط بين قلوب المهتدين به ..

ثم بين هذه القلوب و نواميس الكون الذي تعيش فيه ، و القيم و الأحوال والأحداث التي تتعارف عليها القلوب المهتدية ، و تتعارف الفطر التي لا تزيغ .

ناصح أمين 06-16-2020 09:56 AM



======== 110 ========

و ما من شك أن هذا القرآن جاء رحمة للعالمين .

رحمة لمن آمنوا به و اتبعوه ورحمة كذلك لغيرهم .

لا من الناس وحدهم ، و لكن للأحياء جميعاً .

فقد سن منهجاً و رسم خطة تقوم على الخير للجميع .

و أثر في حياة البشرية ، و تصوراتها ، و مدركاتها ، و خط سيرها ، و لم يقتصر في هذا على المؤمنين به إنما كان ُتأثيره عالمياً و مطرداً مند أن جاء للعالمين .

و الذين يتتبعون التاريخ البشري بإنصاف و دقة ، و يتتبعونه في معناه الإنساني العام ، الشامل لجميع أوجه النشاط الإنساني يدركون هذه الحقيقة ، و يطمئنون إليها .

و كثيرون منهم قد سجلوا هذا و اعترفوا به في وضوح .

و قام هذا القرآن يؤدي وظيفته .

" بشيراً و نذيراً "

يبشر المؤمنين العاملين ، و ينذر المكذبين المسيئين ..

و يبين أسباب البشرى و أسباب الإنذار بأسلوبه العربي المبين لقوم لغتهم العربية .

و لكن أكثرهم مع هذا لم يقبل و يستجيب .

======== 111 ========

و المتدبر لهذا القرآن يجد فيه ذلك الحق الذي نزل به ، و الذي نزل ليقره .

يجده في روحه ، ويجده في نصه ، و يجده في بساطة و يسر .

حقاً مطمئناً فطرياً ، يخاطب أعماق الفطرة ، و يطبعها و يؤثر فيها التأثير العجيب .

و هو " تنزيل من حكيم حميد " ..

و الحكمة ظاهرة في بنائه ، و في توجيهه ، و في طريقة نزوله و في علاجه للقلب البشري من أقصر طريق .

و الله الذي نزله خليق بالحمد .

و في القرآن ما يستجيش القلب لحمده الكثير .

هذا القرآن هدى للمؤمنين و شفاء ، فقلوب المؤمنين هي التي تدرك طبيعته و حقيقته ، فتهتدي به و تشتفي .

فأما الذين لا يؤمنون فقلوبهم مطموسة لا تخالطها بشاشة هذا القرآن ، فهو وقر في آذانهم و عمىً قي قلوبهم .

و هم لا يتبينون شيئاً لأنهم بعيدون جداً عن طبيعة هذا القرآن و هواتفه .

فناس يفعل هذا القرآن في نفوسهم فينشئها إنشاء ، و يحييها إحياء ، و يصنع بها و منها العظائم في ذاتها و فيما حولها .

و ناس يثقل هذا القرآن على آذانهم و على قلوبهم ، ولا يزيدهم إلا صماً و عمى .

و ما تغير القرآن .

و لكن تغيرت القلوب .

و صدق الله العظيم .

ناصح أمين 06-25-2020 09:45 AM

======== 112 ========

" القرآن الحكيم "

و الحكمة صفة العاقل .

و التعبير على هذا النحو يخلع على القرآن صفة الحياة و القصد و الإرادة .

و هي من مقتضيات أن يكون حكيما .

و مع أن هذا مجاز إلا أنه يصور حقيقة و يقربها .

فإن لهذا القرآن لروحاً ، و إن له لصفات الحي الذي يعاطفك و تعاطفه حين تصفي له قلبك و تصغي له روحك ..

و إنك لتطلع منه على دخائل و أسرار كلما فتحت له قلبك و خلصت له بروحك ..

و إنك لتشتاق منه إلى ملامح و سمات كما تشتاق إلى ملامح الصديق و سماته حين تصاحبه فترة و تأنس به و تستروح ظلاله ..

و لقد كان رسول الله – صلى الله عليه و سلم – يحب أن يسمع تلاوة القرآن من غيره كما يقف الحبيب و ينصت لسيرة الحبيب

و القرآن حكيم .

يخاطب كل أحد بما يدخل في طوقه ، و يضرب على الوتر الحساس في قلبه ، و يخاطبه بقدر ، و يخاطبه بالحكمة التي تصلحه و توجهه .

و القرآن حكيم .

يربي بحكمة ، وفق منهج عقلي و نفسي مستقيم .

منهج يطلق طاقات البشر كلها مع توجيهها الوجه الصالح القويم

و يقرر للحياة نظاماً كذلك يسمح بكل نشاط بشري في حدود ذلك المنهج الحكيم .

======== 113 ========

المحسنون هم الذين يكون القرآن لهم هدى و رحمة لأنهم بما في قلوبهم من تفتح و شفافية يجدون في صحبة هذا القرآن راحة و طمأنينة ..

و يتصلون بما في طبيعته من هدى و نور ، و يدركون مراميه و أهدافه الحكيمة ..

و تصطلح نفوسهم عليه ، و تحس بالتوافق و التناسق و وحدة الاتجاه ، و وضوح الطريق .

و إن هذا القرآن ليعطي كل قلب بمقدار ما في هذا القلب من حساسية و تفتح و إشراق ، و بقدر ما يقبل عليه في حب و تطلع و إعزاز .

إنه كائن حي يعاطف القلوب الصديقة ، و يجاوب المشاعر المتوجهة إليه بالرفرفة و الحنين .

ناصح أمين 07-01-2020 10:00 AM

======== 114 ========

و تدبر القرآن يزيل الغشاوة ، و يفتح النوافذ ، و يسكب النور ، و يحرك المشاعر ، و يستجيش القلوب ، و يخلص الضمير .

و ينشئ حياة للروح تنبض بها و تشرق و تستنير .

" أم على قلوب أقفالها ؟ "

فهي تحول بينها و بين القرآن و بينها و بين النور .

فإن استغلاق قلوبهم كاستغلاق الأقفال التي لا تسمح بالهواء و النور

و من النصوص و التوجيهات القرآنية يتجلى كيف كانت نفوس المسلمين الصادقين تتلقى آيات هذا القرآن ؟

كيف تهتز لها و تضطرب ، و كيف ترتجف منها و تخاف ، و أن كيف تحذر أن تقع تحت طائلتها ، و كيف تتحرى أن تكون وفقها و أن تطابق أنفسها عليها ..

و بهذه الحساسية في تلقي كلمات الله كان المسلمون مسلمين من ذلك الطراز .

======== 115 ========

و الذي يقرأ هذا القرآن – و هو مستحضر في ذهنه لأحداث السيرة – يشعر بالقوة الغالبة و السلطان البالغ الذي كان هذا القرآن يواجه به النفوس في مكة و يروضها حتى تسلس قيادها راغبة مختارة .

و يرى أنه كان يواجه النفوس بأساليب متنوعة تنوعاً عجيباً ..

__ تارة يواجهها بما يشبه الطوفان الغامر من الدلائل الموحية و المؤثرات الجارفة .

__ و تارة بما يشبه الهراسة الساحقة التي لا يثبت لها شيء مما هو راسخ في كيانها من التصورات و الرواسب .

__ و تارة بما يشبه السياط اللاذعة تلهب الحس فلا يطيق وقعها و لا يصبر على لذعها .

__ و تارة بما يشبه المناجاة الحبيبة ، و المسارة الودود ، التي تهفو لها المشاعر و تأنس لها القلوب .

__ و تارة بالهول المرعب ، و الصرخة المفزعة التي تفتح الأعين على الخطر الداهم القريب .

__ و تارة بالحقيقة في بساطة و نصاعة لا تدع مجالا للتلفت عنها و لا الجدال فيها .

__ و تارة الرجاء الصبوح والأمل الندي الذي يهتف لها و يناجيها .

__ و تارة يتخلل مساربها و دروبها و منحنياتها فيلقي عليها الأضواء التي تكشفها لذاتها فترى ما يجري في داخلها رأي العين ، و تخجل من بعضه ، وتكره بعضه ، و تتيقظ لحركاتها و انفعالاتها التي كانت غافلة عنها ..

و مئات من اللمسات ، و مئات من الهتافات ، و مئات من المؤثرات .. يطلع عليها قارئ القرآن وهو يتبع تلك المعركة الطويلة ، وذلك العلاج البطيء .

و يرى كيف انتصر القرآن على الجاهلية في تلك النفوس العصية العنيدة .


نفسي عزيزة 07-05-2020 12:03 AM

ومهما تقرأه وتتبدره ستشعر بأنك تقرأه لاول مرة
و هذا سر إعجازه تجدده

موضوع متكامل
جعله الله
في ميزان حسناتك أيها الأمين

ناصح أمين 07-07-2020 10:06 AM

======== 116 ========

و لقد وضع هذا القرآن أصول المنهج الدائم لحياة إنسانية متجددة .

و ترك للبشرية أن تستنبط الأحكام الجزئية التي تحتاج إليها ارتباطات حياتها النامية المتجددة ، و استنباط وسائل تنفيذها كذلك بحسب ظروف الحياة و ملابساتها ، دون اصطدام بأصول المنهج الدائم .

و كفل للعقل البشري حرية العمل ، بكفالة حقه في التفكير ، و بكفالة مجتمع يسمح لهذا العقل بالتفكير .

ثم ترك له الحرية في دائرة الأصول المنهجية التي وضعها لحياة البشر ، كما تنمو و ترقى و تصل إلى الكمال المقدر لحياة الناس في هذه الأرض .

======== 117 ========

يهدي إلى صراط العزيز الحميد :

__ بما فيه من نظم و تشريعات مستقيمة مع فطرة الإنسان و ظروف حياته و معاشه الأصيلة متناسقة مع القوانين الكلية التي تحكم بقية الأحياء و سائر الخلائق ، فلا يشذ عنها الإنسان بنظمه و تشريعاته .

و هو أمة من هذه الأمم في نطاق هذا الكون الكبير .

__ بما ينشئه في إدراك المؤمن من تصور للوجود و روابطه و علاقاته و قيمه ، و مكان هذا الإنسان منه ، و دوره فيه ، و تعاون أجزاء هذا الكون من حوله – و هو معها – قي تحقيق مشيئة الله و حكمته في خلقه ، و تناسق حركات الجميع و توافقها في الاتجاه إلى بارئ الوجود .

__ بتصحيح منهج التفكير ، و إقامته على أسس سليمة متفقة مع الإيقاعات الكونية على الفطرة البشرية ، بحيث يؤدي هذا المنهج بالفكر البشري إلى إدراك طبيعة هذا الكون و خواصه وقوانينه ، و الاستعانة بها ، و التجاوب معها بلا عداء و لا اصطدام و لا تعويق .

__ بمنهجه التربوي الذي يعد الفرد للتجاوب و التناسق مع الجماعة البشرية .

و يعد الجماعة البشرية للتجاوب و التناسق – أفرادا و جماعات – مع مجموعة الخلائق التي تعمر هذا الكون .

و يعد هذه الخلائق كلها للتجاوب و التناسق مع طبيعة الكون الذي تعيش فيه .

كل ذلك في بساطة و يسر و لين .

إن هذا القرآن هو الدليل إلى هذا الصراط .

الدليل الذي وضعه خالق الإنسان وخالق الصراط ، العارف بطبيعة هذا و ذاك .

ناصح أمين 08-19-2020 10:16 AM

======== 118 ========

إن القرآن - و هو ينشيء هذه الأمة و ينشئها – و هو يخرجها إلى الوجود إخراجاً .

كما قال الله تعالى : { كنتم خير أمة أخرجت للناس }

إن القرآن وهو ينشيء هذه الأمة من حيث لم تكن ، و ينشئها لتصبح أمة فريدة في تاريخ البشر ..

فقد كانت - على التحقيق – إنشاء وتنشئة ، كانت ميلاداً جديداً للأمة ، بل ميلاداً جديداً " للإنسان " في صورة جديدة ..

و لم تكن مرحلة في طريق النشأة ، و لا خطوة في سبيل التطور و لا حتى وثبة من وثبات النهضة ..

إنما كانت – على وجه التحديد – " نشأة " و " ميلاداً " للأمة العربية و للإنسان كله .

فبسبب من هذا القرآن ذكرت هذه الأمة في الأرض ، و كان لها دورها في التاريخ ، و كان لها " وجود إنساني " ابتداء ، و حضارة عالمية ثانياً.

إن القرآن حين كان ينشئ هذه الأمة و ينشئها .. و يخطط و يثبت ملامح الإسلام الجديدة في الجماعة المسلمة – التي التقطها من سفح الجاهلية – و يطمس و يمحو ملامح الجاهلية في حياتها و نفوسها و رواسبها ، و ينظم مجتمعها ..

حين كان القرآن يصنع ذلك كله ..

كان يبدأ فيقيم للجماعة المسلمة تصورها الصحيح ببيان شرط الإيمان و حدّ الإسلام ..

و يربط بهذا التصور – قي هذه النقطة بذات – نظامها الأساسي الذي يميز وجودها من وجود الجاهلية حولها ، و يفردها بخصائص الأمة التي أخرجت للناس ، لتبين للناس ، و تقودهم إلى الله .. نظامها الرباني .

ناصح أمين 09-14-2020 10:22 AM

======== 119 ========

على أن محاولة النضر بن الحارث أن يلهي الناس عن هذا القرآن بشيء آخر يخدعهم به عنه لم تكن هي المحاولة الأخيرة و للن تكون ..

لقد تكررت في صور شتى و سوف تتكرر ..

لقد حاول أعداء هذا الدين دائما أن يصرفوا الناس نهائيا عن هذا القرآن .

فلما عجزوا حولوه إلى تراتيل يترنم بها القراء و يطرب لها المستمعون ، و حولوه إلى تمائم و تعاويذ يضعها الناس في جيوبهم و في صدورهم و تحت وسائدهم ..

و يفهمون أنهم مسلمون ، ويظنون أنهم أدوا حق هذا القرآن .

و لكن العجيب في شأن هذا القرآن أنه – على طول الكيد و تعقده و تطوره و ترقيه – ما يزال يغلب .

إن لهذا القرآن من الخصائص العجيبة ، و السلطان القاهر على الفطرة ، ما يغلب به كيد الجاهلية في الأرض كلها و كيد الشياطين من اليهود و الصليبيين ، وكيد الأجهزة العالمية التي يقيمها اليهود و الصليبيون في كل أرض و في كل حين .

إن هذا القرآن ما يزال يلوي أعناق أعدائه في الأرض كلها ليجعلوه مادة إذاعية في جميع محطات العالم الإذاعية ، بحيث يذيعه – على السواء – اليهود و يذيعه الصليبيون ، و يذيعه عملاؤهم المتسترون تحت أسماء المسلمين .

و حقيقة إنهم يذيعونه بعد أن نجحوا في تحويله في نفوس الناس " المسلمين " إلى مجرد أنغام و تراتيل ، و بعد أن أبعدوه حتى في خاطر الناس .. المسلمين ، من أن يكون مصدر التوجيه للحياة ، و أقاموا مصادر غيره للتوجيه في جميع الشؤون .

و لكن هذا القرآن ما يزال يعمل من وراء هذا الكيد ، و سيظل يعمل ..

و ما تزال في أنحاء الأرض عصبة مسلمة تتجمع على جدية هذا القرآن و تتخذه وحده مصدر التوجيه ، و هي ترتقب وعد الله لها بالنصر و التمكين ..

من وراء الكيد و السحق و القتل و التشريد .

و ما كان مرة لا بد أن سيكون .

ناصح أمين 09-22-2020 10:15 AM

======== 120 ========

القرآن لا يعود مجرد كلام يتلى للبركة .

و لكنه ينتفض حيا يتنزل على الجماعة المسلمة المتحركة لتتحرك به ، و تتابع توجيهاته ، و تتوقع موعود الله فيه .

هذا القرآن لا يتفتح عن أسراره إلا للعصبة المسلمة التي تتحرك به ، لتحقيق مدلوله في عالم الواقع .

لا لمن يقرأونه لمجرد التبرك ، و لا لمن يقرأونه لمجرد الدراسة الفنية أو العلمية ، و لا لمن يدرسونه لمجرد تتبع الأداء البياني فيه .

إن هؤلاء جميعا لن يدركوا من هذا القرآن شيئا يذكر .

فإن هذا القرآن لم يتنزل ليكون مادة دراسة على هذا النحو ، إنما تنزل ليكون مادة حركة و توجيه .

إن الذين يواجهون الجاهلية الطاغية بالإسلام الحنيف و الذين يجاهدون البشرية الضالة لردها إلى الإسلام من جديد ، و الذين يكافحون الطاغوت في الأرض ليخرجوا الناس من العبودية للعباد إلى العبودية لله وحده ..

إن هؤلاء وحدهم هم الذين يفقهون هذا القرآن ، لأنهم يعيشون في نفس مثل الجو الذي نزل فيه ..

و يحاولون المحاولة التي كان يحاولها من تنزل عليهم أول مرة ، و يتذوقون في أثناء الحركة و الجهاد ما تعنيه نصوصه لأنهم يجدون هذه المعاني ممثلة في أحداث و وقائع .

ناصح أمين 09-28-2020 10:06 AM

======== 121 ========

و الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم تمهيد للجو الذي يتلى فيه القرآن ، و تطهير له من الوسوسة و اتجاه بالمشاعر إلى الله خالصة لا يشغلها شاغل من عالم الرجس و الشر الذي يمثله الشيطان .

فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم .. إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا و على ربهم يتوكلون ، لا يملك الشيطان أن يسيطر عليهم مهما وسوس لهم فإن صلتهم بالله تعصمهم أن ينساقوا معه ..

إنما سلطانه على الذين يتولونه أولئك الذين يجعلونه وليهم و يستسلمون له بشهواتهم و نزاوتهم .

======== 122 ========

إن الناس لا يدركون وظيفة هذا القرآن .

لا يدركون أنه جاء لإنشاء مجتمع عالمي إنساني ، و بناء أمة تقود هذا المجتمع العالمي .

و أنه الرسالة الأخيرة التي ليست بعدها من السماء رسالة ، و أن الله الذي خلق البشر عليم بما يصلح لهم من المبادئ و الشرائع .

و من ثم لا يدركون حكمة تبديل آية مكان آية في حياة الرسول – صلى الله عليه و سلم – فحسبوها افتراء منه و هو الصادق الأمين الذي لم يعهدوا عليه كذبا قط .

نزله روح القدس من ربك بالحق ..

لا يلتبس به الباطل ..

ليثبت الذين آمنوا ، الموصولة قلوبهم بالله ، فهي تدرك أنه من عند الله .

انفاس 10-04-2020 03:04 AM

شكرا لاناملك التي خطت
هذا الابداع وهذا الجمال
بإنتظار ابداعاتك القادمة..
لك مني كل الود والاحترام

ناصح أمين 10-14-2020 10:12 AM

======== 123 ========

" ألف .. لام .. ميم .. " .. الخ ..

هذه الأحرف التي يعرفها العرب المخاطبون بهذا القرآن ، و يعرفون ما يملكون أن يصوغوا منها و من نظائرها من كلام ، و يدركون الفارق الهائل بين ما يملكون أن يصوغوه منها و بين هذا القرآن ..

و هو فارق يدركه كل خبير بالقول ، و كل من يمارس التعبير باللفظ عن المعاني و الأفكار .

كما يدرك أن في النصوص القرآنية قوة خفية ، و عنصرا مستكنا ، يجعل لها سلطانا و إيقاعا في القلب و الحس ليسا لسائر القول المؤلف من أحرف اللغة ، مما يقوله البشر في جميع الأعصار .

و هي ظاهرة ملحوظة لا سبيل إلى الجدال فيها ، لأن السامع يدركها ، و يميزها ، و يهتز لها ، من بين سائر القول ، و لو لم يعلم سلفا أن هذا قرآن ..

و التجارب الكثيرة تؤكد هذه الظاهرة في شتى أوساط الناس .

و الفارق بين القرآن و ما يصوغوه البشر من هذه الحروف ن كلام ، هو كالفارق بين صنعة الله و صنعة البشر في سائر الأشياء .

صنعة الله واضحة مميزة لا تبلغ إليها صنعة البشر في أصغر الأشياء ..

و كذلك صنع الله في القرآن و صنع البشر فيما يصوغون من هذه الحروف من كلام .

و إن الكيان الإنساني ليهتز و يرتجف و لا يتماسك أمام هذا القرآن ، كلما تفتح القلب ، و صفا الحس ، و ارتفع الإدراك ، و ارتفعت حساسية التلقي و الاستجابة .

و إن هذه الظاهرة لتزداد وضوحا كلما اتسعت ثقافة الإنسان ، و معرفته بهذا الكون و ما فيه و من فيه .

ناصح أمين 10-25-2020 09:58 AM

======== 124 ========

ذكر و قرآن ..

و هما صفتان لشيء واحد .

ذكر يحسب وظيفته ، و قرآن يحسب تلاوته .

فهو ذكر لله يشتغل به القلب ، و هو قرآن يتلى و يشتغل به اللسان ، و هو منزل ليؤدي وظيفة محددة .

وظيفة القرآن بالقياس بالنسبة للكافرين هي تسجيل الاستحقاق للعذاب ..

فإن الله لا يعذب أحدا حتى تبلغه الرسالة ثم يكفر عن بينة و يهلك بلا حجة و لا معذرة .

و هكذا يعلم الناس أنهم إزاء هذا القرآن فريقان : فريق يستجيب فهو حي ، و فريق لا يستجيب فهو ميت .

و هو قرآن عربي ، مستقيم ، واضح ، لا لبس فيه و لا عوج و لا انحراف .

يخاطب الفطرة بمنطقها القريب المفهوم .

======== 125 ========

و القرآن يشتمل الذكر كما يشتمل غيره من التشريع و القصص و التهذيب ..

و لكن الذكر و الاتجاه إلى الله هو الأول .

و هو الحقيقة الأولى في هذا القرآن .

بل إن التشريع و القصص و غيرهما إن هي إلا بعض هذا الذكر فكلها تذكر بالله و توجه القلب إليه في هذا القرآن .

و قد يكون و القرآن " ذي الذكر " أي المذكور المشهور وهو وصف أصيل للقرآن .

نزل هذا القرآن للناس بالحق ..

الحق في طبيعته ، و الحق في منهجه ، و الحق في شريعته ..

الحق الذي تقوم عليه السماوات و الأرض .

و يلتقي عليه نظام البشرية في هذا القرآن و نظام الكون كله في تناسق .

هذا الحق نزل للناس ليهتدوا به و يعيشوا معه و يقوموا عليه .

ناصح أمين 11-08-2020 11:37 AM



======== 126 ========

إنه لقرآن كريم .

و ليس قول كاهن ، و لا قول مجنون ، و لا مفترى على الله . من أساطير الأولين . و لا تنزلت به الشياطين .

إنما هو قرآن كريم بمصدره ، و كريم بذاته ، و كريم باتجاهاته .

و مخاطبة القلب البشري بالقرآن و حده كان هو اتجاه الرسالة الأخيرة ، و ما فيه من إعجاز ظاهر .

و قد جاء القرآن ليقف بالقلب البشري في مواجهة الكون كله ، و ما فيه من آيات الله القائمة الثابتة ، و يصله بهذا الكون و آيات الله فيه في كل لحظة ، لا مرة عارضة في زمان محدود يشهدها جيل من الناس في مكان محدود .

فإن لهذا القرآن لثقلا و سلطانا و أثرا مزلزلا لا يثبت له شيء يتلقاه بحقيقته .

ناصح أمين 11-25-2020 10:35 AM

======== 127 ========

إن هذا القرآن يقرر منهجا متكاملا للحياة يقوم على حق ثابت و نظرة موحدة ..

و يصدر عن تصور للوجود الإلهي ثابت ، و للكون و الحياة كذلك .

فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر .

إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها ، فهو يثيرها فيها و يذكرها بها فتتذكرها..

و القرآن في مبناه ليس ثقيلا فهو ميسر للذكر .

و لكن ثقيل في ميزان الحق ، ثقيل في أثره في القلب .

و الذي يريد القرآن أن يطبعه في حس المسلم هو طلاقة المشيئة و إحاطتها بكل مشيئة ، حتى يكون التوجه إليها من العبد خالصا و الاستسلام لها ممحضا .

ناصح أمين 12-30-2020 11:47 AM

======== 128 ========

فهو قرآن مجيد في لوح محفوظ ..

و المجيد الرفيع الكريم العريق ..

و هل أمجد و أرفع و أعرق من قول الله العظيم ؟

فهذا القرآن مصون ثابت .

فهو القول الفصل الذي لا يلتبس به الهزل ..

القول الفصل الذي ينهي كل قول و كل جدل و كل شك و كل ريب

القول الذي ليس بعده قول ، بشهد بهذا السماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع .

ناصح أمين 01-13-2021 12:18 PM

======== 129 ========

إن كل سورة من سور القرآن ذات شخصية متفردة ، و ذات ملامح متميزة ، و ذات منهج خاص ، و ذات أسلوب معين ، و ذات مجال متخصص في علاج الموضوع الواحد : العقيدة .

و نجد في سور القرآن وفرة بسبب تنوع النماذج ..

و أنسا بسبب التعامل الشخصي الوثيق ..

و متاعا بسبب اختلاف الملامح و الطباع و الاتجاهات و المطالع.

إنها أصدقاء .. كلها صديق .. و كلها أليف .. و كلها حبيب ..

و كلها يجد القلب عنده ألوانا من الاهتمامات طريفة ، و ألوانا من المتاع جديدة ، و ألوانا من الإيقاعات ، و ألوانا من المؤثرات تجعل لها مذاقا خاصا و جوا متفردا .

و مصاحبة السورة من أولها إلى آخرها رحلة ..

رحلة في عوالم و مشاهد ، و رؤى و حقائق ، و غوص في أعماق النفس ، واستجلاء لمشاهد الوجود ..

و لكنها كذلك رحلة متميزة المعالم في كل سورة و مع كل سورة .

ناصح أمين 01-20-2021 12:37 PM

======== 130 ========

و لقد وجه القرآن القلوب و إلى بدائع هذا الكون ، و إلى خفايا النفس البشرية .

و هذه و تلك من مادة الشعر و الفن .

و في القرآن وقفات أمام بدائع الخلق و النفس لم يبلغ إليها شعر قط في الشفافية و النفاذ و الاحتفال بتلك البدائع و ذلك الجمال .

و إننا لنبخس القرآن قدره إذا نحن قرأناه و فهمناه على أنه حديث عن جاهليات كانت ..

إنما هو حديث عن شتى الجاهليات في كل أعصار الحياة .

و مواجهة للواقع المنحرف دائما و رده إلى صراط الله المستقيم

ناصح أمين 01-28-2021 12:20 PM

======== 131 ========

لقد كان القرآن يفرق بفرقان الله بين الإيمان و الكفر ، و الهوى و الضلال ..

كان يستخلص القلوب له ، فلا تحفل بوشيجة غير وشيجته .

فكان هو الفرقان .

و نزل الله هذا القرآن على عبده محمد - صلى الله عليه و سلم – قرآنا عربيا ، ليندر أم القرى و من حولها ، و شرع فيه ما وصى به نوحا و إبراهيم و موسى و عيسى ..

ليصل بين حلقات الدعوة منذ فجر التاريخ ..

و يوحد نهجها و طريقها و غايتها ..

و يقيم بها الجماعة المسلمة التي تهيمن و تقود ..

و تحقق في الأرض وجود هذه الدعوة كما أرادها الله ، و في الصورة التي يرتضيها .

ناصح أمين 02-14-2021 01:16 PM



======== 132 ========

القرآن نور تتجلى تحت أشعته الكاشفة حقائق الأشياء واضحة

و يبدو مفرق الطريق بين الحق و الباطل محددا مرسوما في داخل النفس و في واقع الحياة سواء حيث تجد النفس من هذا

النور ما ينير جوانبها أولا ،

فترى كل شيء فيها و من حولها واضحا ،

حيث يتلاشى الغبش و ينكشف ،

و حيث تبدو الحقيقة بسيطة كالبديهية ،

و حيث يعجب الإنسان من نفسه كيف كان لا يرى هذا الحق و هو بهذا الو ضوح و بهذه البساطة


الساعة الآن 09:18 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.9
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.

Ads Management Version 3.0.1 by Saeed Al-Atwi

HêĽм √ 3.2 OPS BY: ! ωαнαм ! ©, Soft
.