" الغدر "

نعيش في هذه الدنيا مطمئنين لمن هم حولنا وقريبون منا ..
لمن يربطنا بهم رباط الصداقة أو الرحم والقرابة ..
لمن يبادلوننا الحب والمودة ..
لا نحمل لهم في قلوبنا إلا كل خير ..
لا نعاملهم إلا بالطيب والحسنى ..
ولا نقدم لهم إلا ما نحبه لأنفسنا ..
نمد لهم أيدينا عندما نشعر بحاجتهم لها ..

ولكن من المؤسف حقاً أن تجد أحدهم يتفنن ويجيد دور المخلص المحب لك ..
وهو يتربص بك وينتظر الفرصة الملائمة ليطعنك من خلفك ..
لا يردعه من ذلك دين ولا خلق ولا حقوق ..
ولا يراعي ما سينتج عن تلك الطعنة من تقطع أواصر التراحم والوصال ..
ولا يأبه بدعاء المظلوم عليه في الليال ..

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ...... فالظلم آخره يأتيك بالنـدمِ
نامت عيونك والمظلوم منتبه ...... يدعوا عليك وعين الله لم تنمِ

ما دعاني إلى كتابة تلك الكلمات إلا الحسرات التي شعرت بها
بسبب تلك الحقيقة التي عشت مشاهدها ..
وتعمقت في معالمها ..
تلك الحقيقة التي رأيت فيها والدين غدرا بابنتهما وطعناها من خلفها ..
باعاها من أجل أن يستمتعوا بمالها ..
تلك الابنة التي أحسنت إليهما ..
والتي حاولت جاهدة كسب رضاهما ومودتهما ..
تلك الابنة التي ضمدت جراحهما عندما نزفت ..
وأجبرت عظامهما عندما كُسرت ..
وجففت عيونهما عندما دمعت ..
باعوا تلك الابنة وليس لهم مبرر إلا الطمع والجشع
والخسة التي طغت على نفوسهم وتربعت ..
ينظرون إلى توسلها بعينٍ عمياء ..
ويستمعون إلى رجاءها بإذنٍ صماء ..
لا يهز مشاعرهم دمعاً ولا بكاء ..
غير منتظرين منها حباً ولا إحساناً ولا وصلاً ولا دعاء ..
قطعوا حبال تلك المشاعر التي تربطهم ببعض ..
وبعثروا تلك الأحاسيس التي يحملونها تجاه بعض ..
وبنوا سداً منيعاً لا يُهدم ..
وجرحاً عميقاً لا يُعالج بندم ..
وذكرى حزينة لا يصاحبها إلا الألم ..
لم أتفكر في حال تلك الابنة
بقدر ما تفكرت في حالهما ..
وقد قارب الثمانين عمرهما ..
عجباً ثم عجباً ثم عجباً ..
ألم ينظرا ما بعد الموت ينتظرهما ..!!

فهل يصل حب المال إلى هذا الحد من القسوة ..؟!
هل يجعلنا ننسى عقوبة الخالق وهوان المخلوق ..؟!