العقابُ
لم يبتعدِ الناسُ عن مكان الأخنسِ إلاّ وسمعوا رجلاً قوياً يصرُخُ :
ـ أيها الناسُ .. تعلَوا اسمعوا مني ...
همسوا :
ـ هل من ساخرٍ آخرَ بمحمدٍ ...
صرخَ الرجلُ :
ـ ويلٌ لكلِّ همزةٍ لُمزةٍ ...
همسَ رجلٌ :
ـ اسمعوا إنَّ ربَّ محمدٍ يُهددُ الأخنسَ .
وهمسَ آخرُ :
ـ يُهدّدُ جميعَ الذين يسخرون من الناسِ ...
وهمس ثالثٌ :
ـ ويغمزونهم بأعينهم وأيديهم ..
صاحَ رابعٌ :
اسمعوا .
صاح المسلمُ
ـ الذي جمع مالاً وعدّدهُ .
همسوا جميعاً :
ـ إنَّهُ الأخنسُ لا شك .
صرخ المسلمُ :
ـ يحسبُ أنَّ مالَهُ أخلدَهُ ؟!!..
همس رجلٌ :
ـ اليومَ قال لنا هذا ...
زادَ صُراخُ المسلم :
ـ كلاّ لينبذنَّ في الحُطمةِ .
همسوا جميعاً وقد ارتجفت قلوبُهم :
ـ سينبذُهُ اللهُ في مكانٍ يُحطّمُ كلَّ شيءٍ يدخل ُ فيه . وأين هو هذا المكانَ .
صرخ المسلمُ :
ـ وما أدراكَ ما الحُطمةُ.
همسوا :
ـ لا نعرفُ .. لا نعرفُ ..
تابع المسلمُ :
ـ نارُ اللهِ الموقدةُ .
همسوا بخوفٍ وعجبٍ :
ـ الحُطمةُ هي نارُ اللهِ المُشتعلةُ ؟!..
تابع المسلمُ :
ـ التي تطّلع على الأفئدةِ .
صرخ بعضُ الرجالِ بخوفٍ :
ـ سيصلُ لهيبُ نارِ اللهِ إلى قلوبِ الذينَ يُعذَّبونَ في الحطمةِ ؟! يا ويلكَ يا أخنسُ .
تابع المسلم :
ـ إنّها عليهم مؤصدةٌ .
صرخَ الأخنسُ من خلفِ الناسِ :
ـ لا تخافوا إن أغلقوا النّارَ عليَّ فسوفَ أفتحها بسيفي هذا ...
فُوجئ الناسُ بالأخنسِ يهجُمُ بسيفهِ على المسلمِ الذّي كان يقولُ :
ـ في عمدٍ مُمدَّةٍ .
صرخ الأخنسُ :
ـ ستصلني النارُ بالأعمدةِ ؟! وكيف ذلك يا أحمقْ .؟!..
همس رجلٌ :
ـ سيُربطُ إلى الأعمدةِ وتُسلّطُ النارُ عليه .
وهمسَ آخر:
ـ سيُضربُ بأعمدةِ النيرانِ .
تفرّقَ الناسُ عن المسلمِ الذي اختفى سريعاً ، بينما كانَ الأخنسُ يصرخُ :
ـ أيها الناس . لا تُصدقوا كلامَ محمدٍ ، ولا تهديدهُ . إنَّهُ يريدُ أن يُخوِّفكم .
وراح يسخرُ من محمدٍ كعادَتِهِ .
لكنَّ آياتِ سورةِ الهُمزةِ كانت تملأ حياتَهُ خوفاً وهلعاً . ابتعد عن الناسِ ، وراحَ يُفكرُ في مصيرِهِ المُخيفِ كان ينتفضُ كورقةِ الشجرِ في الرّياحِ العاصفةِ حينَ كان على فراشِ الموتِ ، فلما ماتَ رأى كلَّ شيءٍ هدّدهُ اللهُ به .ألقتْهُ الملائكةُ في جهنّمَ بكلِّ احتقارٍ ، وحُبسَ في أماكنَ ضيقةٍ مُغلقةٍ كانت النيرانُ تُحرقهُ ، وما كانَ يستطيع فكاكاً من الأعمدةِ التي رُبطَ إليها ، وما كان يستطيعُ دفعاً لأعمدةِ النيرانِ التي كانت تنهالُ عليه ضرباً وسحقاً ، وتحرقهُ بلهيبها الذي لا يهدأُ . رأى في النارِ ألوفَ الهمّازينَ الغمّازينَ المحاربينَ للإسلامِ فعرفَ أنَّ التهديدَ لم يكن لهُ وحدهُ وإنما كان لكلِّ همّازٍ غمّازٍ لمّازٍ غنيِّ بطرٍ يُحاربُ الإسلامَ ، ويستهزئُ بنبيّهِ وقُرآنهِ وأتباعهِ . فتمنّى لو كان آمنَ بالقرآنِ الكريمِ وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم .
أكلهُ النّدمُ ، لكن هيهاتَ أنْ ينفعهُ النّدمُ .
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال