عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2016, 12:24 PM   #2
صمت الحزن
| عضو متألق |


الصورة الرمزية صمت الحزن
صمت الحزن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3210
 تاريخ التسجيل :  Aug 2016
 أخر زيارة : 01-11-2019 (03:55 PM)
 المشاركات : 1,542 [ + ]
 التقييم :  127
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي




قال القاضي عياض:

«وفي هذا: إنَّ الحاكم أو القاضي لا يقضي بعلمه بحال، ولو جاز ذلك لأحد لكان أولى الناس بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قد ترك ذلك وتورع عنه، فروي أنه قال حين أُشِيرَ عليه بقتل من استوجب القتل ممن ظهر نفاقه وتبين شقاؤه: (أخاف أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) فعلَّل ذلك بالتُّهمة التي تعمُّ ما قدَّمناه»[7].

وقال ابن المقن:

«فقال عليه السلام: (دعه لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) هو من أعظم السياسات؛ ولأن ظاهر عبدالله بن أُبي الإسلام، والناس كلفوا بالظاه، فلو حصل عقوبة نفروا»[8].

وقال القاضي عبدالوهاب:

«ولأنه صلى الله عليه وسلم امتنع من قتل المنافقين مع علمه بكفرهم، وقال: (لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)، وإنما لم يقتلهم لأن الناس لم يعلموا كفرهم كما علمه، ولأن الحاكم لما لم يكن معصومًا، وقد يلحقه الظنة والتهمة، ويمكن وقوع ذلك منهم، فحسم الباب في منع حكمه بعلمه لئلا يدعى عليه أنه حكم على عدوه»[9].

فتحصّل من هذا أن سبب عدم قتلهم يرجع لأمرين:

1- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ بظاهر حالهم من إعلان الإسلام ولا يؤاخذهم بما في قلوبهم، ولا بما يعلمه من حالهم، فالقاضي لا يقضي بعلمه.
2- وجود اشتباه في حالهم يُخفي على كثير من الناس سبب مقتلهم، فيظنوا السوء بالنبي صلى الله عليه وسلم بأنه يقتله أصحابه، «إذ لم يكن الذنب ظاهرًا يشترك الناس في معرفته»[10].
وهذا فيمن أبطن النفاق ولم يَظهر منه شيء، أو ظهر ولم يثبت عنه بما يَقطع باستحقاقه للعقوبة، وهذا ظاهر في قصة سورة المنافقين، لأن المنافق حلف وكذب ولم تثبت عليه الكلمة إلا بوحي.
لكن يشكل على هذا مثل حادثة قسمة الغنائم، فقد تفوه المنافق بكلمات، ومع ذلك تركه النبي صلى الله عليه وسلم بالعلة ذاتها «لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه»، فما وجه ذلك؟

هنا نقولات مهمة لأهل العلم، أسوق بعضها بين يدي تفصيل الجواب:

قال القاضي عياض:
«ومثل هذا لو صدر اليوم من أحدٍ في حق النبي صلى الله عليه وسلم من تهمته في الحكم، ورميه فيه بالهوى والميل، لكان كفرًا يجب قتل قائله، لكنه عليه السلام كان أول الإسلام يؤلف ويدفع بالتي هي أحسن، وكان يصبر للمنافقين ومن في قلبه مرض على أكثر من هذا من التصريح والتعريض»[11].

وقال:
«وقد اختلف: هل بقي حكم جواز ترك قتلهم والإغضاء عنهم؟ أو نسخ ذلك آخرًا عند ظهور الإسلام عند قوله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} وأنها ناسخة لما كان قبلها؟ وقيل: إنما العفو عنهم ما لم يظهروا نفاقهم، فإذا أظهروه قتلوا»[12].

قال ابن حجر:
«كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح، ثم أمر بقتال المشركين فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الإسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه، ولذلك قال (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه)، فلما حصل الفتح ودخل المشركون في الإسلام وقلَّ أهل الكفر وذلوا أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق، ولاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين»[13].

قال ابن تيمية:

«فإن الناس ينظرون إلى ظاهر الأمر فيرون واحدًا من أصحابه قد قُتل فيظن الظان أنه يقتل بعض أصحابه على غرض أو حقد أو نحو ذلك فينفر الناس عن الدخول في الإسلام، وإذا كان من شريعته أن يتألف الناس على الإسلام بالأموال العظيمة ليقوم دين الله وتعلو كلمته فلأن يتألفهم بالعفو أولى وأحرى، فلما أنزل الله تعالى براءة ونهاه عن الصلاة على المنافقين والقيام على قبورهم وأمره أن يجاهد الكفار والمنافقين ويغلظ عليهم؛ نسخ جميع ما كان المنافقون يعاملون به من العفو كما نسخ ما كان الكفار يعاملون به من الكف عمن سالم ولم يبقَ إلا إقامة الحدود وإعلاء كلمة الله في حق كل إنسان»[14].

قال السندي:

«ظاهر هذا الحديث يفيد أن المسلم لا يقتل المسلم بمثل هذه الكلمة المشتملة على مثل هذا التعريض المؤدي إلى إيذاء النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، إذ ظاهر هذا الحديث يفيد أنه لا سلامة لم يتعرض له، وجعل إسلامه الظاهري علة لعصمته مع وجود هذه الكلمة منه، والقول بأن هذه الكلمة تقتضي قتله إلا أنه تركه لمراعاة التألف حتى لا يشتهر بين الناس أنه صلى الله تعالى عليه وسلم يقتل أصحابه، فإنه قد يؤدي إلى نفر قلوبهم عن الإسلام. يأبى عنه هذا الحديث»[15].



 
 توقيع : صمت الحزن
الصمْتْ..
لا يَعْنِي المُوافَقة قَدْ يَكُون صَبْراً على وشَك النَّفاذ..!



رد مع اقتباس