عرض مشاركة واحدة
قديم 08-15-2016, 12:23 PM   #1
صمت الحزن
| عضو متألق |


الصورة الرمزية صمت الحزن
صمت الحزن غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 3210
 تاريخ التسجيل :  Aug 2016
 أخر زيارة : 01-11-2019 (03:55 PM)
 المشاركات : 1,542 [ + ]
 التقييم :  127
 الجنس ~
Female
 MMS ~
MMS ~
لوني المفضل : Black
افتراضي لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابَه



يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه»؛ فلهذا الموقف السياسي النبوي حضور بارز في مادة هذه السجالات، ويأتي دومًا في أي تجاذب حول تنزيل بعض الأحكام الشرعية، حيث يتفق الجميع على الاستشهاد به ويتفاوتون في مستوى فهمه وإعمالهم له. ومن الملفت أن أي حكم شرعي يراد تطبيقه في الحالة المعاصرة يأتي الاستدلال بهذا الحديث ليقف حائلًا دون تطبيقه، بل فاض منسوبه حتى أصبحت كل الأحكام الشرعية التي تنفر منها الثقافة الغربية محل تحفظٍ من أجل المحافظة على سمعة الإسلام لئلا يتحدث هؤلاء الناس عن الإسلام بما ينفرهم منه.
يرتكز هذا الاستدلال على منطق أن هذه الصور تشوه الإسلام وتنفر منه، وتُستغل في الأوساط الإعلامية الغربية لتقبيح صورة الإسلام وتنميطه بشكل معين ينفر الناس منه.
وهذا المعنى صحيح، فلا أحد ينكر حالة التوظيف الإعلامية المهولة لمثل هذه الأحكام، وأنها مادة خصبة للتشويه والافتراء والتنفير، فهل تعطيل الأحكام الشرعية مراعاة لهذا الوضع وحفاظًا على سمعة الإسلام يكون سائغًا «لئلا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه»؟
مع يقيني التام أن تعليق نفاذ الأحكام الشرعية بهذه الطريقة خطأ ومخالف قطعًا لأحكام الشرع، إلا أن جزءًا من هذا السؤال بقي مشكلًا زمنًا، ولا أحصي عدد ما قرأت من احتجاجات بهذا المستوى، وكنت أدفعها بإجابات كثيرة أثبت من خلالها الأغلاط اللازمة لهذا الاستدلال، من دون تفكير في فحص هذا الاستدلال نفسه.
قبل أسابيع، رجعت لكلام العلماء في هذا الاستدلال، وتتبعت تفسيرات العلماء واختلافاتهم في فهم القول وسياقاته فانزاح عني هذا الإشكال مع أول تقليب لصفحات البحث، بل عجبتُ من بقاء هذا الإشكال طيلة هذا الوقت مع وضوح المسألة، كان لهذا الموقف أثر عميق في نفسي، فأكثر الإشكالات المعاصرة تنشأ بسبب تقصير في معرفة كلام أهل العلم في مادة البحث، فالإعراض عن كلام العلماء يضع غشاوة أمام الأعين لا تزيدها سجالات المعاصرين إلا كثافة، وهو إشكال لا يكاد يسلم منه أحد، هم فيه بين مقل ومكثر.
إذن، فالفهم الفقهي لهذا الموقف السياسي النبوي يضع لك ميزانًا تختبر فيه كافة الاستدلالات المعاصرة بهذا الحديث، وهو ما سأحاول عرضه وترتيبه في هذه المقالة لنميّز بعدها «الحدود المعتبرة والسائغة» في دلالة هذا الحديث، عن «الاستدلالات الخاطئة والمنحرفة».
صحت هذه المقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم في موقفين مختلفين:

الموقف الأول: في قصة سورة المنافقون:

ففي حديث جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: كنا في غزاة في جيش، فكسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار. فقال الأنصاري: يا للأنصار! وقال المهاجري: يا للمهاجرين! فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى الجاهلية؟! قالو: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلًا من الأنصار. فقال: دعوها، فإنها منتنة. فسمع بذلك عبدالله بن أبي فقال: فعلوها؟ أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم، فقام عمر فقال: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: دعه، لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه[1].

الموقف الثاني: في قصة قسمة الغنائم يوم حنين:

ففي حديث جابر بن عبدالله قال: أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة منصرفه من حنين، وفي ثوب بلال فضة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقبض منها يعطي الناس. فقال: يا محمد، اعدل! قال: ويلك! ومن يعدل إذا لم أكن أعدل، لقد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل. فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي[2].
كما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها في موقف ثالث، فعن حذيفة بن اليمان قال: إني لآخذ بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوده وعمار يسوق به، إذ استقبلنا اثنا عشر رجلًا متلثمين قال: هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة. قلنا: يا رسول الله، ألا تبعث إلى كل رجل منهم فتقتله؟ فقال: أكره أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه[3].
فهذه المقولة قيلت في حق المنافقين، وكان من السياسة الحكيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تركهم واحتمال أذاهم سدًا لذريعة أن يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه.
ذلك أن المنافقين كانوا مختلطين بالصحابة، وما كانوا يجهرون بالكفر والطعن في الإسلام، فلو أن النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم لاشتبه هذا الأمر على أكثر الناس في زمانهم ولظنوا أن الرسول يقتل أصحابه، ويقتل من يدخل في دينه، فيحول هذا بينهم وبين الدخول في الإسلام.

قال ابن عطية:

«وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض عنهم ويدعهم في غمرة الاشتباه مخافة أن يتحدث عنه أنه يقتل أصحابه»[4].

وقال ابن عاشور:

«وإنّما كان النبي ممسكًا عن قتلهم سَدًا لذريعة دخول الشك في الأمان على الداخلين في الإسلام كما قال لعُمر (لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه) لأنَّ العامّة والغائبين عن المدينة لا يَبْلغون بعلمهم إلى معرفة حقائق الأمور الجارية بالمدينة، فيستطيع دعاة الفتنة أن يشوّهوا الأعمال النافعة بما فيها من صورة بشيعة عند من لا يعلم الحقيقة، فلما كثر الداخلون في الإسلام واشتهر من أمان المسلمين ما لا شك معه في وفاء المسلمين، وشاع من أمر المنافقين وخيانتهم ما تسامعتْه القبائل وتحققه المسلم والكافر، تمحضت المصلحة في استئصال شأفتهم، وانتفت ذريعة تطرق الشك في أمان المسلمين»[5].
كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقيم العقوبات على المنافقين لمجرد علمه بحالهم، فالقاضي لا يقضي بعلمه، إنما يقضي بما ثبت عليهم ظاهرًا، وقد كانوا يسرون بنفاقهم ويخفى حالهم على أكثر الناس، فقتلهم سيكون مشتبهًا على الناس بسبب هذا.

قال ابن عبدالبر:

«وسئل مالك رحمه الله عن الزندقة فقال: ما كان عليه المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من إظهار الإيمان وكتمان الكفر هو الزندقة عندنا اليوم. قيل لمالك: فلمَ يُقتل الزنديق ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قتله بعلمه فيهم وهم يظهرون الإيمان لكان ذريعة إلى أن يقول الناس يقتلهم للضغائن أو لما شاء ذلك فيتمنع الناس من الدخول في الإسلام»[6].


 
 توقيع : صمت الحزن
الصمْتْ..
لا يَعْنِي المُوافَقة قَدْ يَكُون صَبْراً على وشَك النَّفاذ..!



رد مع اقتباس