لكي لا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم ...
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم
المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين .
===================================
======== { ما أصاب من مصيبة في الأرض و لا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها ... } الحديد .
إن هذا الوجود من الدقة و التقدير بحيث لا يقع فيه حادث إلا و هو مقدر من قبل في تصميمه ، محسوب حسابه في كيانه .. لا مكان للمصادفة ، و لا شيء فيه جزاف .
و قبل خلق الأرض و قبل خلق الأنفس كان في علم الله الكامل الشامل الدقيق كل حدث سيظهر للخلائق في وقته المقدور ..
و في علم الله لا شيء ماض و لا شيء حاضر و لا شيء قادم فتلك الفواصل الزمنية إنما هي معالم لنا - نحن أبناء الفناء – نرى بها حدود الأشياء .
======== و هذا الكون و ما يقع فيه من أحداث و أطوار مند نشأته إلى نهايته كائن في علم الله جملة لا حدود فيه و لا فواصل من زمان أو مكان .
فكل مصيبة من خير أو شر تقع في الأرض كلها و في أنفس البشر أو المخاطبين منهم يومها هي في ذلك الكتاب الأزلي من قبل ظهور الأرض و ظهور الأنفس في صورتها التي ظهرت بها { إن ذلك على الله يسير } .
======== { لكي لا تأسوا على ما فاتكم و لا تفرحوا بما آتاكم } .
فاتساع أفق النظر ، و التعامل مع الوجود الكبير ، و تصور الأزل و الأبد ، و رؤية الأحداث في مواضعها المقدرة في علم الله ، الثابتة في تصميم هذا الكون .. كل أولئك يجعل النفس أفسح و أكبر و أكثر ثباتا و رزانة في مواجهة الأحداث العابرة حين تتكشف للوجود الإنساني و هي مارة به في حركة الوجود الكوني .
======== إن الإنسان يجزع و يستطار و تستخفه الأحداث حين ينفصل بذاته عن هذا الوجود ، و يتعامل مع الأحداث كأنها شيء عارض يصادم وجوده الصغير .
فأما حين يستقر في تصوره و شعوره أنه هو و الأحداث التي تمر به و تمر بغيره والأرض كلها .. ذرات في جسم كبير هو هذا الوجود .. و أن هذه الذرات كائنة في موضعها في التصميم الكامل الدقيق لازم بعضها لبعض و أن ذلك كله مقدر مرسوم معلوم في علم الله المكنون .. حين يستقر هذا في تصوره و شعوره ، فإنه يحس بالراحة و الطمأنينة لمواقع القدر كلها على السواء .
فلا يأسى على فائت أسى يضعضعه و يزلزله ، و لا يفرح بحاصل فرحا يستخفه و يذهله .
و لكن يمضي مع قدر الله في طواعية وفي رضى . رضى العارف المدرك أن ما هو كائن هو الذي ينبغي أن يكون ..
======== و هذه درجة قد لا يستطيعها إلا القليلون .
فأما سائر المؤمنين فالمطلوب منهم ألا يخرجهم الألم للضراء ، و لا الفرح بالسراء عن دائرة التوجه إلى الله و ذكره بهذه و بتلك ، و الاعتدال في الفرح و الحزن .
قال عكرمة – رضي الله عنه - :
( ليس أحد إلا و هو يفرح و يحزن ، و لكن اجعلوا الفرح شكراً و الحزن صبراً ) .
و هذا هو اعتدال الإسلام الميسر للأسوياء .
|