وبمناسبة تشريف الأخت الكريمة ( نفسي عزيزة ) لصفحة ( المقال الوصفي ) وتذكيرنا بهذه الصفحة .. أطرح هذا المقال ...الذي أصنفه ضمن ( المقال الوصفي ) للكاتبة السعودية [ هدى الدغفق ] ..
===========================
أبها .. بحيرة ، وامرأة .
أمامي هي الآن ، أراها في مخيلتي ، وهي تمد أجنحتها على ضفاف خضراء تشرب منها كلما اشتد وَلَهُ الشمس إليها ، وأرادت أن تهدئ من اشتعالاتها .
وفي عذوبة أبها أتنفس هواءً طراوته تشبه عاطفة الشاعر . أمام بحيرة السد يطيب لي الجلوس طويلاً . تذكرني تعرجاتها برسوم اللوحات العالمية التي تجسد مشاهد الطبيعة بتقنياتها التي تفوق الخيال واللقطة .
وعلى مرأى من صفحة لجينها التي هي أشبه بنهر يبتسم لمداعبة نسمة صباحية .. تتغزل به ، ينبعث في مزاجي صفاء لا يقاوم الشعور والشعر كذلك .
أعلى السد .. خلفه بالتحديد ، يتهاوى الطريق الرائح والغادي بسلسلة من عربات المصطافين .. يأتون من الرياض وجدة وكل مدننا ، ومن أنحاء الخليج الأخرى ، يفرون من لهيب شموسهم . وفي مد عيونهم وعلى زجاج عرباتهم تسطع شمس السد ، وتثير محبتهم وهي تستقبلهم بابتساماتها الغامرة ، ليأنسوا بها في عصر أبها الساحر .
وبين غيم الظهيرة وصحوها تنعس الأشجار حافة على روابيها الوثيرة التي تتدثر بحمرة الثرى ، ورائحة الرذاذ الذي يغسل وجه المدينة دون ملل .
السد وبحيرته الحنون يحتضنان في عروقهما ماء الطمأنينة.. يستدرجانه إلى قاعهما ويستوطنهما فلا يرحل من فؤادهما المطر وقد فتن بالسد وبحيرته .
قبل أعوام عدة منذ طفولتي وحتى العقدين الأولين من عمري ، كنت أزور أبها كثيراً ، لم تمنحني الظروف زيارة عداها ، لم أكن أنظر إلى غيم بهذا المدى من الشفافية ، ولم أرَ ضباباً يتكثف ويلعب ببداية إلهامي مثلما شاغبتني أبها بطبيعتها الفتية . أبها لم تكن غيماً وضباباً وجنة أشجار فحسب ، بل كانت ذكريات لالتقاء عائلتي بأطيب الذكريات ، تباهت نفسي في حضرتها بتلك الروابي ولم تزل .
لكن غياباً ما .. يظل يحدث ، وأنا أرى أبها بلا حضرة سيداتها ، هناك انعزال لا أدرك بعدُ أسبابه ، بين أبها المكان ، وأبها المرأة المفكرة المبدعة الفاعلة . وهو ما لا ينبغي أن يبقى طويلاً ، ذاك لأننا لا نريد لأبها التي في بواطن أحداقنا وموانئ عقولنا أن تبدو مجرد ساحرة وحسب ، وهي أكثر من ذلك وأثرى بكثير .
أيتها المرأة الشاعرة المفكرة .. أما آن لهذا القلم المتحرك بخفاء أن يتنفس كل ذاك الغيم في إبداع ظاهر ٍ لنا ؟؟!!! .
تحياتي للجميع ..
|