و من الناس من يعجبك قوله ...
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم
المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين
============================================ { و من الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا و يشهد الله على ما في قلبه و هو ألد الخصام .. } البقرة .
هذه اللمسات العجيبة من الريشة المبدعة في رسم ملامح النفوس ، تشي بذاتها بأن مصدر هذا القول المعجز ليس مصدراً بشرياً على الإطلاق .
هذا المخلوق الذي يتحدث فيصور لك نفسه خلاصة من الخير ، و من الإخلاص ، و من التجرد ، و من الحب ، و من الترفع ، و من الرغبة في إفاضة الخير و البر و السعادة و الطهارة على الناس ..
هذا الذي يعجبك حديثه . تعجبك ذلاقة لسانه ، و تعجبك نبرة صوته ، و يعجبك حديثه عن الخير و البر و الصلاح " و يشهد الله على ما في قلبه ".. زيادة في التأثير و الإيحاء ، و توكيداً للتجرد و الإخلاص ، و إظهاراً للتقوى و خشية الله .
======== " و هو ألد الخصام " تزدحم نفسه باللدد و الخصومة ، فلا ظل فيها للود و السماحة ، و لا موضع فيها للحب و الخير ، و لا مكان فيها للتجمل و الإيثار .
هذا الذي يتناقض ظاهره و باطنه ، ويتنافر مظهره و مخبره .. هذا الذي يتقن الكذب و التمويه و الدهان .. حتى إذا جاء دور العمل ظهر المخبوء ، و انكشف المستور ، و فضح بما فيه من حقيقة الشر و البغي و الحقد و الفساد .
======== { و إذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها و يهلك الحرث و النسل و الله لا يحب الفساد } .
و إذا انصرف إلى العمل كانت وجهته الشر و الفساد في قسوة و جفوة و لدد ، تتمثل في إهلاك كل حي من الحرث الذي هو موضع الزرع و الإنبات و الإثمار .. و من النسل الذي هو امتداد الحياة و بالإنسال .. و إهلاك الحياة على هذا النحو كناية عما يعتمل في كيان هذا المخلوق النكد من الحقد و الشر و الغدر و الفساد مما كان يستره بذلاقة اللسان و نعومة الدهان و التظاهر بالخير و الصلاح " و الله لا يحب الفساد " و لا يحب المفسدين الذين ينشئون في الأرض الفساد .. و الله لا تخفى عليه حقيقة هذا الصنف من الناس و لا يجوز عليه الدهان و الطلاء الذي قد يجوز على الناس في الحياة الدنيا فلا يعجبه من هذا الصنف النكد ما يعجب الناس الذين تخدعهم الظواهر و تخفى عليهم السرائر .
======== { و إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم } .
إذا تولى فقصد إلى الإفساد في الأرض ، و أهلك الحرث و النسل و نشر الخراب و الدمار ، و أخرج ما يعتمل في صدره من الحقد و الضغن و الشر .. إذا فعل هذا كله ثم قيل له : " اتق الله " تذكيراً له بخشية الله و الحياء منه .. أنكر أن يقال له هذا القول و استكبر أن يوجه إلى التقوى ، وتعاظم أن يأخذ عليه خطأ و أن يوجه إلى صواب . و أخذته العزة لا بالحق و لا بالعدل و لا بالخير و لكن " بالإثم " فاستعز بالإجرام و الذنب و الخطيئة ، و رفع رأسه في وجه الحق و أمام الله بلا حياء منه .
======== { فحسبه جهنم و لبئس المهاد } .
حسبه .. ففيها الكفاية . _ جهنم التي وقودها الناي و الحجارة ... _ جهنم التي يكبكب فيها الغاوون و جنود إبليس أجمعون ... _ جهنم الحطمة التي تطلع على الأفئدة ... _ جهنم التي لا تبقي و لا تذر ... حسبه جهنم .. " و لبئس المهاد " و يا للسخرية القاصمة في ذكر المهاد هنا .. و يا لبؤس من كان مهاده جهنم بعد الاعتزاز و النفخة و الكبرياء .
|