عرض مشاركة واحدة
قديم 05-05-2018, 06:27 AM   #99
زارع الورد


الصورة الرمزية زارع الورد
زارع الورد غير متواجد حالياً

بيانات اضافيه [ + ]
 رقم العضوية : 162
 تاريخ التسجيل :  Jun 2009
 أخر زيارة : 02-21-2024 (05:23 AM)
 المشاركات : 3,124 [ + ]
 التقييم :  96
لوني المفضل : Cadetblue
افتراضي



مقاطع مختاره من مقال

في الربيع الأزرق .. خواطر مرسله ...
للكاتب العملاق / مصطفى صادق الرافعي
من كتابه / وحي القلم ..



ما أجمل الأرض على حاشية الأزرقين: البحر والسماء؛

يكاد الجالس هنا يظن نفسه مرسومًا في صورة إلهية.

نظرتُ إلى هذا البحر العظيم بعينَيْ طفل يتخيل أن البحر

قد مُلِئَ بالأمس، وأن السماء كانت إناء له، فانكفأ الإناء

فاندفق البحر، وتسرحت مع هذا الخيال الطفلي الصغير

فكأنما نالني رشاش من الإناء.

إننا لن ندرك روعة الجمال في الطبيعة إلا إذا كانت النفس

قريبة من طفولتها، ومرح الطفولة، ولعبها، وهذيانها.

تبدو لك السماء على البحر أعظم مما هي، كما لو كنتَ تنظر

إليها من سماء أخرى لا من الأرض.

إذا أنا سافرت فجئت إلى البحر، أو نزلت بالصحراء، أو حللت

بالجبل، شعرت أول وهلة من دهشة السرور بما كنت أشعر

بمثله لو أن الجبل أو الصحراء أو البحر قد سافرتْ هي وجاءت إليّ.

في جمال النفس يكون كل شيء جميلًا، إذ تلقي النفس عليه

من ألوانها, فتنقلب الدار الصغيرة قصرًا لأنها في سعة النفس

لا في مساحتها هي، وتعرف لنور النهار عذوبة كعذوبة الماء على الظمأ،

ويظهر الليل كأنه معرض جواهر أقيم للحور العين في السموات، ويبدو

الفجر بألوانه وأنواره ونسماته كأنه جنة سابحة في الهواء.

............................

إذا كنتَ في أيام الطبيعة فاجعل فكرك خاليًا وفرِّغه للنبت والشجر،

والحجر والمَدَر، والطير والحيوان، والزهر والعشب، والماء والسماء،

ونور النهار وظلام الليل، حينئذ يفتح العالم بابه ويقول: ادخل.

لطف الجمال صورة أخرى من عظمة الجمال؛ عرفتُ ذلك حينما أبصرت

قطرة من الماء تلمع في غصن، فخيل إليّ أن لها عظمة البحر لو صَغُر فعُلّق على ورقة.

في لحظة من لحظات الجسد الروحانية حين يفور شِعر الجمال في الدم، أطلتُ النظر

إلى وردة في غصنها زاهية عطرة، متأنقة، متأنثة؛ فكدت أقول لها: أنت أيتها المرأة، أنت يا فلانة.

أليس عجيبًا أن كل إنسان يرى في الأرض بعض الأمكنة كأنها أمكنة للروح خاصة؛

فهل يدل هذا على شيء إلا أن خيال الجنة منذ آدم وحواء، لا يزال يعمل في النفس الإنسانية؟

...........................

هذه هي الطريقة التي تصنع بها السعادة أحيانًا،

وهي طريقة لا يقدر عليها أحد في الدنيا كصغار الأطفال.


 
 توقيع : زارع الورد


رد مع اقتباس