الوقفة الثالثة:([5])
قوله: أَلْهَاكُمُ: أبلغ في الذم مما لو قال: "شغلكم" لعدم التلازم بين اللهو والاشتغال؛
ذلك أن الإنسان قد يشتغل بالشيء بجوارحه وقلبه غير لاهٍ به، بينما اللهو ذهول وإعراض.
الوقفة الرابعة:
([6]) اللهو عن الشيء إن كان بقصد فهو محل التكليف، وإن كان بغير قصد كقوله -صلى الله عليه وسلم-
في الخميصة: ((إنها ألهتني عن صلاتي))([7]) كان صاحبه معذوراً، وهو نوع من النسيان.
الوقفة الخامسة:
([8]) التكاثر: التباهي بالكثرة من المال والجاه والولد وغير ذلك مما سيأتي، فهو تفاعل من الكثرة.
والتفاعل يقع على أحد وجوهٍ ثلاثة:
الأول: أن يكون بين اثنين فأكثر، فيكون من باب المفاعلة.
الثاني: أن يكون من فاعل واحد لكن على سبيل التكلف،
تقول: تحاملت على كذا، وتباعدت عن كذا، وتعاميت عن الأمر وتغافلت عنه.
الثالث: أن يراد به مطلق الفعل، كما تقول: تباعدت عن الأمر أي بعدت عنه.
والتكاثر هنا يحتمل الوجهين الأولين، فيحتمل التكاثر بمعنى المفاعلة؛
لأنه تم من اثنين يقول كل واحد منهما لصاحبه: أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [(34) سورة الكهف]،
ويحتمل تكلف الكثرة وتطلبها، فإن الحريص يتكلف جميع عمره تكثير ماله مثلاً.
الوقفة السادسة:
([9]) لم يعين -سبحانه وتعالى- المتكاثر به بل ترك ذكره؛ إما لأن المذموم هو نفس التكاثر بالشيء،
لا المتكاثر به، كما يقال: شغلك اللعب واللهو، ولم يذكر ما يلعب ويلهو به.
وإما لإرادة العموم؛ لأن حذف المقتضى يدل عليه كما تقرر في علمي الأصول والبيان([10]).
ولا يخفى أن العموم والإطلاق أبلغ في الذم؛ لأنه يذهب فيه الوهم كل مذهب
فيدخل فيه جميع ما يحتمله المقام مما يتكاثر به المتكاثرون ويفتخر به المفتخرون من الأموال والأولاد
والخدم والجاه والأعوان وغير ذلك مما يُقصد بالمكاثرة، وليس المقصود منه وجه الله كما سنبين في الوقفة السابعة.
|