و لقد علم الله أن الإنسان يحب ....
بسم الله الرحمن الرحيم
و صلى الله على سيدنا و حبيبنا محمد صلى الله عليه و سلم
المبعوث رحمة للعالمين و على آله و أصحابه أجمعين
===================================
======== { فللوالدين و الأقربين و اليتامى و المساكين و ابن السبيل } البقرة .
و هو يربط بين طوائف من الناس .
بعضهم تربطه بالمنفق رابطة العصب ، و بعضهم رابطة الرحم ، و بعضهم رابطة الرحمة ، و بعضهم رابطة الإنسانية الكبرى في إطار العقيدة .
و لكن هذا الترتيب في الآية و الآيات الأخرى ، و الذي تزيده بعض الأحاديث النبوية تحديدا و وضوحا .
عن جابر أن رسول الله – صلى الله عليه و سلم – قال لرجل : " ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فضل شيء فلأهلك ، فإن فضل شيء عن أهلك فلذي قرابتك ، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا و هكذا ... "
======== و لقد علم الله أن الإنسان يحب ذاته فأمره أولا بكفايتها و أباح له الطيبات من الرزق و حثه على تمتيع ذاته بها في غير ترف و لا مخيلة .
فالصدقة لا تبدأ إلا بعد الكفاية و الرسول – صلى الله عليه و سلم – يقول :
" خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، و اليد العليا خير من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول " أخرجه مسلم .
======== و لقد علم الله أن الإنسان يحب - أول ما يحب – أفراد أسرته الأقربين .. عياله .. و والديه .. فسار به خطوة في الإنفاق وراء ذاته إلى هؤلاء الذين يحبهم ليعطيهم من ماله وهو راض ، فيرضي ميله الفطري الذي لا ضير منه بل فيه حكمة و خير ..
و في الوقت ذاته يعول و يكفل ناسا هم أقرباؤه الأدنون ، نعم ، و لكنهم فريق من الأمة ، إن لم يعطوا احتاجوا ..
و أخذهم من القريب أكرم لهم من أخذهم من البعيد .
======== و لقد علم الله أن الإنسان يمد حبه و حميته بعد ذلك إلى أهله كافة – بدرجاتهم منه و صلتهم به – فهم أفراد من جسم الأمة و أعضاء في المجتمع ..
فسار به خطوة أخرى في الإنفاق وراء أهله الأقربين تساير عواطفه و ميوله الفطرية و تقضي حاجة هؤلاء و تقوي أواصر الأسرة البعيدة و تضمن وحدة قوية من وحدات الجماعة المسلمة مترابطة العرى وثيقة الصلات ..
======== و عندما يفيض ما في يده عن هؤلاء و هؤلاء – بعد ذاته – فإن الإسلام يأخذ بيده لينفق على طوائف من المجموع البشري يثيرون بضعفهم عاطفة النخوة و عاطفة الرحمة ..
و في أولهم اليتامى الصغار الضعاف ، ثم المساكين ، ثم أبناء السبيل .
======== { و ما تفعلوا من خير فإن الله به عليم }
عليم به .. عليم بباعثه ، و عليم بالنية المصاحبة له ..
و هو إذن لا يضيع . فهو في حساب الله الذي لا يضيع عنده شيء ، و الذي لا يبخس الناس شيئا و لا يظلمهم ، و الذي لا يجوز عليه كذلك الرياء و التمويه .
بهذا يصل بالقلوب إلى الأفق الأعلى ، و إلى درجة الصفاء و التجرد و الخلوص لله .. في رفق و في هوادة ..
و هذا هو المنهج التربوي الذي يضعه العليم الخبير و يقيم عليه النظام الذي يأخذ بيد الإنسان كما هو و يبدأ به من حيث هو ثم ينتهي به إلى آماد و آفاق لا تصل إليها البشرية قط بغير هذه الوسيلة ،و لم تبلغ إليها قط إلا حين سارت على هذا المنهج في هذا الطريق .
|