|
03-11-2020, 09:15 AM | #1 |
| عضو متألق |
|
======== 70 ========
إن في هذا القرآن سرا خاصا يشعر به كل من يواجه نصوصه ابتداء ، قبل أن يبحث عن مواضع الإعجاز فيها . إنه يشعر بسلطان خاص في عبارات هذا القرآن . يشعر أن هناك شيئا ما وراء المعاني التي يدركها العقل من التعبير . و أن هنالك عنصرا ما ينسكب في الحس بمجرد الاستماع لهذا القرآن . يدركه بعض الناس واضحا و يدركه بعض الناس غامضا و لكنه على كل حال موجود . هذا العنصر يصعب تحديد مصدره : أهو العبارة ذاتها ؟ أهو المعنى الكامن فيها ؟ أهو الصور و الظلال التي تشعها ؟ أهو الإيقاع القرآني الخاص المتميز من إيقاع سائر القول المصوغ من اللغة ؟ أهي هذه العناصر كلها مجتمعة ؟ أم إنها هي و شيء آخر وراءها غير محدود ؟ . ======== 71 ======== و هذا هو القرآن حاضرا ، سهل التناول ، ميسر الإدراك ، فيه جاذبية ليقرأ و يتدبر . فيه جاذبية الصدق و البساطة ، و موافقة الفطرة ، و استجاشة الطبع .. لا تنفد عجائبه ، و لا يخلق على كثرة الرد . و كلما تدبره القلب عاد منه بزاد جديد . و كلما صحبته النفس زادت له ألفة و به أنسا . |
|
03-17-2020, 08:59 AM | #2 |
| عضو متألق |
|
======== 72 ========
و لقد سلك القرآن شتى السبل ، و اتبع شتى الأساليب ، ليواجه شكوك القلب البشري و انحرافاته و آفاته .. و يأخذ عليها المسالك ، و يعالجها بكل أسلوب . و في أساليب القرآن المتنوعة زاد للدعوة و الدعاة إلى هذا الدين .. و مع اليقين الجازم بأن هذا القرآن من عند الله فقد استخدم أسلوب التشكيك لا أسلوب الجزم للغرض الذي أسلفنا . و هو واحد من أساليب الإقناع في بعض الأحوال . ======== 73 ======== إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر و حوادثهم المكرورة قضايا كونية كبرى ، يكشف فيها عن النواميس الإلهية في الوجود .. و ينشئ بها عقيدة ضخمة شاملة و تصورا كاملا لهذا الوجود . كما يجعل منها منهجا للنظر و التفكير ، وحياة للأرواح و القلوب و يقظة في المشاعر و الحواس . يقظة لظواهر هذا الوجود التي تطالع الناس صباح مساء و هم غافلون عنها .. و يقظة لأنفسهم و ما يجري من العجائب و الخوارق فيها . |
|
03-22-2020, 09:41 AM | #3 |
| عضو متألق |
|
======== 74 ======== و إنه لحق اليقين .. مع تكذيب المكذبين . حق اليقين . فليس مجرد اليقين ، و لكنه الحق في هذا اليقين . و هو تعبير خاص يضاعف المعنى و يضاعف التوكيد . و إن هذا القرآن لعميق في الحق ، عميق في اليقين . و إنه ليكشف عن الحق الخالص في كل آية ما يشي بأن مصدره هو الحق الأول الأصيل . لا هو قول شاعر .. و لا هو قول كاهن .. و لا هو تقول على الله إنما هو التنزيل من رب العالمين . و هو التذكرة للمتقين . و هو حق اليقين . ======== 75 ======== القرآن المكي يعالج – في الغالب – إنشاء العقيدة . في الله و في الوحي ، و في اليوم الآخر . و إنشاء التصور المنيثق من هذه العقيدة لهذا الوجود و علاقته بخالقه . و التعريف بالخالق تعريفا يجعل الشعور به حيا في القلب ، مؤثرا موجها موحيا بالمشاعر اللائقة بعبد يتجه إلى رب ، و بالأدب الذي يلزمه العبد مع الرب ، و بالقيم و الموازين التي يزن بها المسلم الأشياء و الأحداث و الأشخاص . و القرآن المدني يعالج – في الغالب – تطبيق تلك العقيدة و ذاك التصور و هذه الموازين في الحياة الواقعية .. و حمل النفوس على الاضطلاع بأمانة العقيدة و الشريعة في معترك الحياة ، والنهوض بتكاليفها في عالم الضمير و عالم الظاهر سواء . |
|
03-28-2020, 09:36 AM | #4 |
| عضو متألق |
|
======== 76 ========
يكل القرآن الناس إلى النظر في هذا الكون ، و إلى تملي مشاهده و عجائبه . ذلك أن القرآن يخاطب الناس جميعا ، و في كل عصر . يخاطب ساكن الغابة و ساكن الصحراء ، كما يخاطب ساكن المدينة و رائد البحار . و هو يخاطب الأمي الذي لم يقرأ و لم يخط حرفا ، كما يخاطب العالم الفلكي و العالم الطبيعي و العالم النظري سواء . و كل واحد ن هؤلاء يجد في القرآن ما يصله بهذا الكون ، و ما يثير في قلبه التأمل و الاستجابة و المتاع . ======== 77 ======== القرآن يوجه النفس إلى جمال السماء ، و إلى جمال الكون كله لأن إدراك جمال الوجود هو أقرب و أصدق وسيلة لإدراك جمال خالق الوجود . و هذا الإدراك هو الذي يرفع الإنسان إلى أعلى أفق يمكن أن يبلغه ، لأنه حينئذ يصل إلى النقطة التي يتهيأ فيها للحياة الخالدة في عالم طليق جميل ، بريء من شوائب العالم الأرضي و الحياة الأرضية . و إن أسعد لحظات القلب البشري لهي اللحظات التي يتقبل فيها جمال الإبداع الإلهي في الكون . ذلك أنها هي اللحظات التي تهيئه و تمهد له ليتصل بالجمال الإلهي ذاته و يتملاه . |
|
04-05-2020, 08:40 AM | #5 |
| عضو متألق |
|
<======== 78 ========
و وصف القرآن بأنه بصائر للناس يعمق معنى الهداية فيه و الإنارة . فهو بذاته بصائر كاشفة كما أن البصائر تكشف لأصحابها عن الأمور . و هو بذاته هدى . و هو بذاته رحمة . . و لكن هذا كله يتوقف على اليقين . يتوقف على الثقة التي لا يخامرها شك ، و لا يخالطها قلق ، ولا تتسرب إليها ريبة . و حين يستيقن القلب و يستوثق يعرف طريقه ، فلا يتلجلج و لا يتلعثم و لا يحيد . و عندئذ يبدو له الطريق واضحا ، و الأفق منيرا ، و الغاية محددة ، و النهج مستقيما . و عندئذ يصبح هذا القرآن له نورا و هدى و رحمة بهذا اليقين . ======== 79 ======== الأسس التي جاء بها القرآن لكي ينشئ الجماعة المسلمة الأولى ، هي هي ما تزال التوجيهات و الأسس الضرورية لقيام الجماعة المسلمة في كل زمان و في كل مكان .. و أن المعركة التي خاضها القرآن ضد أعدائها هي ذاتها المعركة التي يمكن أن يخوضها في كل زمان و مكان و تحتاج الأمة المسلمة في كفاحها و توقيها إلى توجيهات هذا القرآن حاجة الجماعة المسلمة الأولى كما تحتاج في بناء تصورها الصحيح و إدراك موقفها و من الكون و الناس إلى ذات النصوص و ذات التوجيهات ، و تجد فيها معالم طريقها واضحة و يظل القرآن كتاب هذه الأمة العامل في حياتها ، و قائدها الحقيقي في طريقها الواقعي ، و دستورها الشامل الكامل ، الذي تستمد منه منهج الحياة ، و نظام المجتمع ، و قواعد التعامل الدولي و السلوك الأخلاقي و العملي </h2> |
|
04-11-2020, 08:47 AM | #6 |
| عضو متألق |
|
======== 80 ========
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق ، و كثر فيه النزاع ، و طمت فيه الفتن ، و تماوجت فيه الأحداث . و راحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن و في حديث رسول الله – صلى الله عليه و سلم – و دخل في هذه الفتن و ساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود – خاصة – ثم من " القوميين " دعاة القومية الذين تسموا بالشعوبيين . كما استطعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية ، و أن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام و الاتجاهات . و لكنها عجزت جميعا – و في أشد أوقات الفتن حلوكة و اضطربا – أن تحدث حدثا واحدا في نصوص هذا الكتاب المحفوظ ، و بقيت نصوصه كما أنزلها الله ، حجة باقية على كل محرف و كل مؤول ، و حجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ . ======== 81 ======== لقد جاء القرآن الكريم يهدد المشركين المكذبين و يتوعدهم ، و يعرض عليهم مصارع المكذبين الغابرين و مصائرهم .. و يكشف للرسول – صلى الله عليه و سلم – عن علة تكذيبهم و عنادهم ، و هي لا تتعلق به و لا بالحق الذي معه ، لكنها ترجع إلى العناد الذي لا تجدي معه الآيات البينات . و من ثم يسلي الرسول – صلى الله عليه و سلم – و يواسيه ، و يوجهه إلى الإصرار على الحق الذي معه ، و الصدع به بقوة في مواجهة الشرك و أهله .. و الصبر بعد ذلك على بطء الاستجابة و وحشة العزلة ، و طول الطريق . |
|
04-19-2020, 09:03 AM | #7 |
| عضو متألق |
|
======== 82 ========
إن هذا القرآن يجعل من مألوفات البشر و حوادثهم المكرورة ، قضايا كونية كبرى يكشف فيها عن النواميس الإلهية في الوجود و ينشئ بها عقيدة ضخمة شاملة و تصورا كاملا لهذا الوجود .. كما يجعل منها منهجا للنظر و التفكير ، و حياة للأرواح و القلوب ، و يقظة في المشاعر و الحواس . يقظة لظواهر هذا الوجود التي تطالع الناس صباح مساء و هم غافلون عنها .. و يقظة لأنفسهم و ما يجري من العجائب و الخوارق فيها . إن أنفسهم من صنع الله ، وظواهر الكون حولهم من إبداع قدرته و المعجزة كامنة في كل ما تبدعه يده . و هذا القرآن قرآنه . و من ثم يأخذهم إلى هذه المعجزات الكامنة فيهم ، و المبثوثة في الكون حولهم .. فهم يرونها و لا يحسون حقيقة الإعجاز فيها و هذا لطول ألفتهم بها و على هذا المنهج يسير ، و هو يعرض عليهم آيات القدرة المبدعة في خلقهم هم أنفسهم . ======== 83 ======== إن هذا القرآن شفاء لما في الصدور بكل معنى من معاني الشفاء إنه يدب في القلوب فعلا دبيب الشفاء في الجسم المعلول .. يدب فيها بإيقاعه ذي السلطان الخفي العجيب .. و يدب فيها بتوجيهاته التي توقظ أجهزة التلقي الفطرية ، فتهتز و تتفتح و تتلقى و تستجيب .. و يدب فيها بتنظيماته و تشريعاته التي تضمن أقل احتكاك ممكن بين المجموعات البشرية في الحياة اليومية .. و يدب فيها بإيحاءاته المطمئنة التي تسكب الطمأنينة في القلوب إلى الله ، و إلى العدل في الجزاء ، و إلى غلبة الخير ، و إلى حسن المصير . |
|
04-22-2020, 07:40 AM | #8 |
| عضو متألق |
|
======== 84 ========
و القرآن يوجه القلوب و الأنظار توجيها مكررا مؤكدا إلى هذا الكتاب المفتوح ، الذي لا تفتأ صفحاته تقلب ، فتتبدى في كل صفحة آية موحية .. تستجيش في الفطرة السليمة إحساسا بالحق المستقر في صفحات هذا الكتاب ، و في تصميم هذا البناء ، و رغبة في الاستجابة لخالق هذا الخلق ، و مودعه هذا الحق ، مع الحب له و الخشية منه في ذات الأوان . و أولوا الألباب .. أولو الإدراك الصحيح .. يفتحون بصائرهم لاستقبال آيات الله الكونية ، و لا يقيمون الحواجز ، و لا يغلقون المنافذ بينهم و بين هذه الآيات .. و يتوجهون إلى الله بقلوبهم قياما و قعودا و على جنوبهم . ======== 85 ======== النصوص القرآنية جاءت لتعمل في كل جيل و في كل بيئة . و في هذا تكمن المعجزة . فهذه النصوص التي جاءت لتواجه أحوالا بعينها هي ذاتها التي تواجه الجماعة الإنسانية ، في أي طور من أطوارها . و المنهج الذي التقط المجموعة المسلمة من سفح الجاهلية هو ذاته الذي يلتقط أية مجموعة – أيا كان موقفها على الدرج الصاعد – ثم يبلغ بها إلى القمة السامقة ، التي بلغ إليها بالمجموعة الأولى يوم التقطها من ذلك السفح السحيق . و من ثم فنحن حين نقرأ القرآن نستطيع أن نتبين منه ملامح المجتمع الجاهلي من خلال أوامره و نواهيه و توجيهاته .. كما نستطيع أن نتبين الملامح الجديدة التي يريد أن ينشئها ، و أن يثبتها في المجتمع الجديد . |
|
04-22-2020, 12:06 PM | #9 | |
آبوذيآب
|
بارك الله فيك أخي ناصح أمين .. ونسأل الله أن يجعل كل ما تقدمه من مجهود نافع ومواضيع قيمة تنفع الناس وتغذي فكرهم وقلوبهم في ميزان حسناتك .. |
|
|
04-27-2020, 10:08 AM | #10 |
| عضو متألق |
|
======== 86 ========
لقد كان القرآن يخوض المعركة بالجماعة المسلمة في ميادين كثيرة . و كان أولها ميدان النفس ضد الهواجس و الوساوس و سوء التصور و رواسب الجاهلية ، و الضعف البشري – حتى و لو لم يكن صادرا عن نفاق أو انحراف – و كان يسوسها بمنهجه الرباني لتصل إلى مرتبة القوة ، ثم إلى مرتبة التناسق في الصف المسلم . فكان يرسم للمسلمين – بصفة عامة – الخطة العامة للمعركة و هي ما يعرف باسم " إستراتيجية المعركة " ، و أيضا الخطة التنفيذية أو ما يسمى " التاكتيك " . و هكذا نجد القرآن لا يعلم المسلمين العبادات و الشعائر فحسب و لا يعلمهم الآداب و الأخلاق فحسب – كما يتصور الناس الدين ذلك التصور المسكين – إنما هو يأخذ حياتهم كلها جملة .. و يعرض لكل ما تتعرض له حياة الناس من ملابسات واقعية . و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم أقل من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا القرآن و تحت تصرفه و توجيهه . لا يقبل منهم مناهج متعددة المصادر . و إلا فلا إيمان أصلا و لا إسلام . لأن الذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد في الإيمان ، و لم يعترفوا بعد بأركان الإسلام و في أولها " شهادة أن لا إله إلا الله " التي ينشأ منها أن لا حاكم إلا الله ، و أن لا مشرع إلا الله . ======== 87 ======== القرآن – كتاب الدعوة و دستور هذه الأمة – ينهض بكل الأمور المتعلقة بهذا الدين في صورة شاملة كاملة متوازنة دقيقة . صورة تجعل من الحتم على كل من يريد إعادة بناء هذه الأمة وإحياءها و بعثها ، لتنهض من جديد بتبعاتها و دورها ، أن يتخذ من هذا القرآن منهجا لدعوته ، و منهجا لحركاته .. و منهجا لكل خطوة في طريق الإحياء و البعث و إعادة البناء . و القرآن حاضر لأداء دوره الذي أداه أول مرة . و هو خطاب الله الباقي للنفس البشرية في كل أطوارها . لا تنقضي عجائبه و لا يخلق على كثرة الرد .. كما يقول عنه أعرف الناس به – صلى الله عليه و سلم – الذي جاهد به الكفار و المنافقين و أهل الكتاب المنحرفين .. و أقام به هذه الأمة المتفردة في تاريخ الناس أجمعين . |
|
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هذا هو الإسلام ... يتبع . | ناصح أمين | نفحات إسلامية | 45 | 11-22-2022 12:23 PM |
علم القرآن .... | ناصح أمين | نفحات إسلامية | 3 | 05-31-2020 05:57 AM |
لقد جاء هذا القرآن ... | ناصح أمين | نفحات إسلامية | 0 | 04-02-2020 08:54 AM |
من هو المحروم ؟ ... يتبع | ناصح أمين | نفحات إسلامية | 16 | 10-04-2018 12:40 PM |
إعجازات القرآن | مجبورة | نفحات إسلامية | 4 | 05-14-2017 08:39 AM |